الجمعة، 2 أكتوبر 2009



ؤ
أخر حوار مع الصحفي الكبير :مصطفي أمين                                                  
          علمتنى أمى أن أقول للاسانسير شكرا                                                                     
المرأة المصرية تحررت فى وجه بنادق الاتجليز                     

ما من سؤال تلقية على مصطفى أمين إلا ويجيب عليه بقصة اسئلة عن سنة أو أسمة أو عنوانه أو رقم تليفونة سيجيب فى جميع
 الأحوال بقصص تنسيك موضوع السئوال أسئلة عن رأية : يرد عليك بشلال من الزكريات والتجارب ويتركك تستخلص الراى الذى يروق لك وكأنه يخشى إذا قال رأية تشعر بأنة يفرضة عليك بدأ معه حديثنا بسئوال واحد لماذا انت محامى الأمهات فكان الجواب نفس الشلال المتصل من الحكايات الممتعة ولكن امواجهة قادتنا هذه المرة إلى نتيجة غير متوقعة قال مصطفى أمين نشأت أمى يتيمة تيمت وهى فى الثالثة من العمر وكان شقيقها "سعد زغلول" لم يتجاوز عامة الأول فعاش كلامها فى حضن جدتها والدة سعد زغلول باشا وعندما تزوج سعد من صفية " أم المصريين" اشترط عليها أن يعيش الطفلان معهما ووافقت وكان سعد بمثابة الوالد لأمى . وصفية بمثابة الوالدة وعلى فكرة .. خالى سعد زعلول لم يكن أسمة سعيد زغلول ولكن كان اسمه سعد وتسبب هذا الأسم فى مشكلة فقد كانت صفية زغلول تنادى فى البيت " يا سعد" ويرد معة سعد خالى ولحل هذا الاشكال قال سعد باشا لخالى احدنا يجب أن يغير أسمة وقد كان وتغيير أسم خالى رسمياً إلى سعيد "الشرقية " أستاذ مصطفى نحن نسألك عن السر فى دفاعك عن الأمهات مصطفى أمين : آه تذكر السر طبعاً هو أمى كانت صغيرة عندما ولدتنى . أقصد عندما ولدتنى أنا وعلى أمين نزل " على" أولاً وكان نموزجاً للوليد السخى "الملظلظ" وبعده بقليل نزلت انا وعندما عملت امى انها انجبت توامها اغمى عليها من الفزع وفزع الطبيب ايضا لان حجمى كان ضئيلاً ولا يبدو أننى سأعيش كان الطبيب انجليزياص ولكى يحافظ على حاتى وضعنى فى طتش مملؤ بالنبيز وأمر أن أظل منقوعاً فيه لمدة أربعين يوماً ويبدو أن جسمى قد امتص من النبيز فى تلك الأيام ما جعلنى بعد ذلك لا أشرب الخمر طوال حياتى المهم أراد سعد باشا أن يخفف الصدمة على ولدتى فقال لزوجته صفية هانم إن الله لم يزقنا بأطفال فى أن نتبنى هذا الولد الضغيف المهزول ونسمية مصطفى زغلول وتحمسة صفية وزغردت والدتى من الفرح ولكن والدى رفض كان غائباً فى دمياط وعندما عاد وعرف بهذا الاتفاق ثار وغضب وفشل مشروع التبنى وغضبت لذلك أمى لأن سعد باشا كان بالنسبة لها والداً تتشرف بأن تلبى أوامرة لم أعرف بهذه القصة طبعاً وقت حدوثها ولكنى عرفتها فيما بعد فى عام 1922 عندما وفد على بيت سعد باشا وفد من سيدات طنطا يحملن لافتة تقول صفية أم المصررين .. وتكلمت سيدة بأسم الوفد فقالت أن يا سعد أبو المصرين وصفية أمهم فى ذلك اليوم ونحن على مائدة الطعام التفت سعد إلى صفية وقال : اتذكرين عندما رفضت "أمين" أن يعطينا أبنناً ؟ وقد أصبح لنا اليوم 14 مليون أبن وابناة ! وعندما سألت . وعرفت القصة . غضبت من أبى ! كيف يحرمنى من أن يكون لى أب مثل سعد زغلول ! ولكن أبى قال لى . اليوم تنجب طفلاً . وترعف معنى الأبوية . ستفهم لماذا رفضت ..
"" لم تجب بعد على سؤالنا يا أستاذ مصطفى . . لم ترسل لنا صورة والدتك التى جعلتك عاشقاً لكل الأمهات .
مصطفى أمين . فعلاً عندكم حق . يجب أن أحدثكم عنها .
شكراً للأسانسير !
 تفضل . قال لنا ماذا بالضبط جعلها أثيرة إلى قلبك ؟
مصطفى أمبن أولاً .. أنا أمى كانت "شديدة" جداً وكنا نهابها أكثر مما نهاب أبى . لأن والدنا كان فى حالة سفر دائم . لديه مكتب فى دمياط ومكتب فى المنصورة .
وكانت تربية أمى لنا لا تعرف تساهل . كانت تعليمتها لاى الخدم : الا يلبوا لنا أى طلب ما لم تقل : من فضلك . وإذا حدث أن وضع الخادم أمامى طبقاً على المائدة ولم أقل له "شكراً" فالتعليمات تقضى بأن يرفع الطبق من أمامى على الفور . وقد عاشت هذه العادة مع إلى اليوم . فأنان طوال الوقت أقول لكل النال "ميرسى" وعندما أكون فى أوروبا أو أمريكا وينفتح أمام باب المصعد الاوتوماتيكى أجد نفسى أقول له : ميرسى وعندما كنت فى الثلاثين من عمرى وعضواَ بمجلس النواب . ومالكاً "لأخبار اليوم" مع شقيقى على .. لم نكن نجرؤ على تدخين سيجارة أمام أمى . قالت لنا يوما : أنا أعرف أنكما تدخنان فلا داعى للاستذان بقصد التدخين فى الخارج يمكنكما التدخين أمامى .
لكننا لم نجرؤ.
وإلى أن ماتت كنا ننهض واقفين إذا دخلت علينا ونحن جالسين . وإذا خرجت ودخلت عشرين مرة . فاننا نقف ونجلس عشرين مرة .
نعم كنا نهابها بمعنى الكلمة .
وكان أبناء الأسرة الذين فى سننا يتمتعون بتدليل لا نتنمع نحن به . كان الواحد منهم يحصل على شهادة البكالوريا ( الثانوية العامة الآن) فيشترى أهلة سيارة خاصة له . وعندما حصلنا على البكالوريا – أنا وعلى – لم نحصل على سيارة وغضبنا وأحسنا أن أمنا لا تحبنا . واستجمعنا شجاعتنا وذهبنا نصارحها بهذا الاحساس .
كان جوابها : أسمعا .. أنا أريد لكل منكما أن يركب سيارة . ولكن من عرق جبينه . مفهوم .
وفهمت الاشارة . وبدأت أقتصد من أجرى فى مجلة "روزاليوسف" حتى اشتربت سيارة دفعت 25 جنيهاً وقسط الباق على 4 جنيهات كل شهر . وبعد سنوات كان معظيم أقرابائى الذين ركبو سيارات مهداة إليهم من أبائهم قد باعوها وأصبحو يركبون الترام .
أخر تضحية
"" أستاذ مصطفى .. هذه صورة سيدة تجيد تربية أطفالها وهى تستحق الاحترام بلا جدال . ولكنها لا تفسر ذلك التقديس الذى تشعر به نحوها ونحو كل الأمهات ؟
مصطفى أمين انتظروأنا لم أقل كل شئ بعد ما تزال هناك الصورة الأخيرة .
"" أية صورة ؟
مصطفى أمين فى عام 1946 طلبت والدتى أستاذ أمراض النشا العبقرى الراحل أحمد شفيق باشا وقالت له ببساطة أنها مصابة بالسرطان ففحصها الدكتور فوجدها بالفعل مصابة بسرطان منتشر وسألها كيف عرفت ؟ قالت كان خالى مصاب به وخالتى أيضاً وكان له علامات عرفتها فيهما وعرفتها بعد ذلك عندى .
قال : منذ متى ؟
قالت : منذ عامين .
ودهش الدكتور ما الذى جعل هذه السيدة الحازمة الدقيقة تتساهل عامين مع مرض خطير كهذا بعد أن عرفت أنها مصابة به قالت أمى : لم أرد أن أشغل بالى على ومصطفى . كانت "أخبار اليوم " ما تزال فى بداية خطواتها . ولم ترسخ أقدامها بعد .. وماتت بعد ذلك بعام واحد .. "الشرقية" الآن عرفنا لماذا محامى الأمهات . الآن – يا أستاذ مصطفى – أجت على سؤالنا .
فضيحة الحنطور :
سكت مصطفى أمين .
تأثر كثيراً عندما أحس بأننا شاركناه مشاعره . وكان سؤالنا التالى محاولة لإعادة البهجة إلى ملامحة . والخلاص من احازنة المفاجئة .
"" نسمع كثيراً . يا استاذ مصطفى . عن تقدم المرأة العربية ونجاحها . وتحررها . ولحقها بالقرن العشرين .. هل هذا كله صحيح أم مجرد كلام ؟
مصطفى أمين :
- اتذكر الآن شيخاً معمماً جاء يزور سعد زغلول ذات يوم . ويقول له باضطراب شديد :
فضيحة !! فضيحة !! رأيت فضيحة !! وبصعوبة شديدة نجح سعد باشا فى تهدء خاطرة . ثم سأله . ما هى هذه الفضيحة ؟
قال الشيخ : كنت فى ميدان المحطة . ورأيت إبراهيم بيك الهلباوى (أشهر محام فى ذلك الوقت) يركب عربة حنطور . وبجوارة زوجتة !! نعم كانت هذه فضيحة .. أن يركب الزوج عربة واحدة مع زوجتة .. القطار يركبانه معاً لا بأس ولكن بعد نزولهما يجب أن يركب الرجب عربة وتركب زوجتة عربة أخرى وأذكر أننا فى بيت سعد زغلول كنا نأكل جميعاً على مائدة واحدة رجال ونساء وأطفالاً . ولكن هذا خروجاً عن القاعدة .. كنت زميلاً ى المدرسة لأبناء آل عبد الرازق . أبناء مصطفى عبد الرازق شبخ الأزهر وعلى عبد الرازق الذى أثار الدنيا بكتابة الثورى الخطير "الإسلام وأصول الحكم" كانت عائلة متقدمة ومتطورة وكنت أيام المذاكرة أتناول الطعام أفرادها ولكن المائدة كانت دائماً للذكور فقط وعندما سألته عرفت أن كل ذكر فى الأسرة يبلغ الخامسة من العمر يهبط إلى الدور الأول ويعيش مع الذكور .. لا يأكل مع أمه أبداً ولا مع شقيقته أو خالتة أو عمته .
"" تقصد أن تقول أن المرأة قد قطعت بالفعل مسافة كبيرة منذ تلك الأيام حتى الأن .. مصطفى أمين : إذا كان هذا رأيكم فلا بأس ..
أوحش الوزارات
"" أستاذ مصطفى أمين .. نريد راياً محدداً فى تقدم المرأة العربية حقيقة أم كلام جرائد ؟ مصطفى أمين : أذكر أن سعد زغلول كانت تقابلة فتاة جميلة جداً . ومثقفة جداً . أسمها "منيرة ثابت" .. كانت تصدر مجلة أسمها "الأمل" وتصدر نسخة فرنسية منها بعنوان "اسبوار" .. وذات يوم طلبت من سعد زغلول أن يمنح المرأة حق الانتخاب .. فقال لها سعد يوم يتحرر الرجل المصرى ستتحرر المرأة المصرية . سأمنح المرأة حق الانتخاب يوم يخرج أخر جندى انتجليزى من مصر ..
"" وقد حدث ..
مصطفى أمين : نعم .. وكان لذلك قصة . جاء الرئيس اليوغزلافى "تيتو" يزور مصر ومعه زوجتة . وصاحبهما جمال عبدالناصر فى رحلة إلى الهرم .. وعلى جانبى الطريق زحف الآف المصريين لتحية الضيوف وإذا بزوجة تيتو تلتفت إلى جمال عبد الناصر وتسألة : هل اصدرت قراراً بسجن جميع نساء مصر ؟
ودهش عبد الناصر ، وقال : لماذا تقولين ذلك ؟ قالت : لأننى أرى الشعب كلة يحينى ولا أرى بين الصفوف أمرأة واحدة . الا ترى أنه قد أن الأوان تمنح نساء مصر حق التعبير ..
قال عبد الناصر : كيف ؟
قالت : أمنحهن حق الانتخاب .
قال عبد الناصر : ليكن ! سيحدث ذلك وبر عبد الناصر بوعدة وحدة وحصلت المرأة المصرية على حق الانتخاب .
"" وبعد ذلك صارت وزيرة .
مصطفى أمين : نعم . وكان أول من اقترح ذلك صحفى هندى ، أسمه "راجا"
وتناول الغداء فى بيتى مع صلاح سالم . فاقترح تعيين وزيرة مصرية ، لكى تسجل ثورة يوليو بنفسها فضل تحرير المرأة يومها قال صلاح سالم إن هذه خطوة ستقلب علينا الدنيا وبعد أيام رويت القصة لعبدالناصر . وتصادف أن دخل علينا عبد الحكيم عامر ، فقال لى عبد الناصر : قل لعبد الحكيم اقتراحك وما كاد عبد الحكيم يسمع بفكرة تعيين وزيرة حتى نهض واقفاً ، وخلع حزامة العسكرى وصاح على الطلاق بالتلاتة لو وحدة ست دخلت مجلس الوزارة استقيل من المجلس وقت حدث بالضبط ما تنبء به عبد الحكيم عينة عبد الناصر نائب للقائد الأعلى للقوات المسلحة وقد خرج من مجلس الوزراء واستدعانى عبد الناصر وطلب منى ترشيح عشر نساء ليختار من بينهن وزيرة وأذكر اننى ايامها أمينة سعيد وفاطمة عنان . وسهير القلماوى وعائشة راتب وحكمة أبو زيد وغيرهن ، وأرسلت إلى عبد الناصر – كطلبة – ملخصاً لحياة كل منهم وصورة له وفوجئب بأن عبد الناصر أختار أخر المرشحات حكمة أبو زيد . وعندما سألته عن السبب قال لى أخترتها بسبب صورتها فوجتها أقلهن جمالاً !!
مظاهرة ، وصلاة ..
"" أستاذ مصطفى هل تقصد أن تقول أن المرأة المصرية قد تحررت بالصدفة !
مصطفى أمين : يعنى أيه ؟
"" : يعنى حق الانتخاب حصلت علية بفضل زوجة "تيتو" والوزارة دخلتها بفضل صحفى هندى أسمه "راجا" ..و.. مصطفى أمين : لالالا .. هذا فهم خاطئ . المرأة المصرية تحررت بيديها بأظافرها بتضحياتها ..
أذكر أن نساء مصر قررن . أيام ثورة 1919 أن يقمن يمظاهرة لبلمطالبة باالافراج عن سعد زغلول وعودتة من المنفى الذى كان يرأس الجهاز السرى للثورة واستدعى زميلة توفيق صليب . وطلب منه أن يراقب مظاهرة النساء عن بعد ويمنع ما سيحدث من تصرفات الرجال حول المظاهرات
وقامت المظاهرة وتصدات النساء لبنادق الجيش الانجليزة واقتحمن الاسوار فى الطريق الى دار المندوب السامى البريطانى وعاد توفيق صليب يقدم تقريره لعبدالرحمن فهمى . سالة عبد الرحمن ماذا فعل الرجال ؟ هل اعتدوا عليهن؟
قال توفيق : كان الرجال حول المظاهرة كأنهم يشهدون صلاة ! فرضت المرأة المصرية احترامها غى أول مرة تخرج فيها إلى الشارع المصرى . وسجلت لنفسها مكانت فى المجتمع المصرى . عندما ساهمتبدورفى الثورة المصرية ..
"ا" وعندما خرجت إلى المجتمع .. هل سجلت نجاحاً ؟
مصطفى أمين : التى تمدح أما بنادق الاحتلال : لا يعز عليها أن تنجح بين أهلها وعشيرتها !
وأخيراً : باب حديد
"" يحيرنا سؤال يا استاذ مصطفى .. لماذا – وأنت متحمس للمرأة إلى هذا الحد لم يسبق أن أهتمتت بالصحفاة النسائية ؟ لماذا كان على أمين وحدة صاحب المحاولات المتواصلة فى عالم الصحافة النسائية والتى كان ابرذها إصدارة لمجلة "هى" ؟
مصطفى أمين : أنا كنت شريكاً له فى "هى" .. ولكننا اتفقنا أن ينصرف هو إليها وأنصر أنا إلى "الأخبار" و "أخبار اليوم" .. وأنا شاركت فى "هى" بالموضوعات ..
"" وهل تزال مستعد للمشاركة فى مجلة نسائية .
مصطفى أمين : بدون تردد
"" : فى الشرقية مثلاً ؟
مصطفى أمين : الشرقية شارك فى إصدارها على أمين . واستراكى فى تحريرها يسعدنى أكثر من اشتراك فى تحرير أى مجلة أخرى .. يتيح لى أن اتنسب روائح نصفى الذى رحلوا ..
"" : وهل يسرك وأنت مؤسس أسرة صحفية أن تنتسب إلى أسرة صحفية اخرى .. ترأسها سيدة .
مصطفى أمين : لن تكون سميرة خاشقجى أول سيدة ترئسنى .. لا تنسو أنتى قبل ذلك كنت مرؤساً بالسيدة روزاليوسف ..
"" أنت إذاً توافق على أن تكت للشرقية ؟
مصطفى أمين : لا !! أنا لا "أوافق" على الكتابة للشرقية !! أنا "أطلب أن أكتب لها" ..
"" : شكراً استاذ مصطفى . انتهى الحديث
مصطفى أمين : هكذا ! فجأه !
"الشرقية" : لم يعد لدينا وقت . المطبعة فى الانتظار والموضوع الى ستكتبة مطلوب فى الحال .. !!
وهكذا . ولد على صفحات الشرقية الباب الجديد لمصطفى أمين "نساء ورجال"
وتركناه يكتب موضوعة الأول – المنشور على الصفحات السابقة بعنوان : أم المصريين


ننفرد بنشر أخر ما كتب الصحفي الكبير مصطفي أمين لن

ننفرد بنشر
أخر ما كتب مصطفي أمين
أم المصريين

بقلم:مصطفي امين
عرفت أم المصريين صفية زغلول فى أول يوم فتحت فيه عينى للحياة . فقد تزوج أبى وأمى فى بيت سعد زغلول ، الذى عرف فيما بعد باسم " بيت الأمة " وولدت – على أمين وأنا – فى هذا البيت وحملتنى صفية زغلول بين يديها ، وةضربت على ظهرى بيدها فصرخت صرختى الأولى ، ولا زلت أصرخ إلى الآن !
وقد عشت فى بيتها سنواتى الاولى حتى أصبح عمرى 13 عاماً وعرفتها عن كثب وأنا طفل وأنا ولد ,انا شاب ، وأنا صاحب جريدة "أخبار اليوم" .
منت أناديها "ياستى" وكنت أنادى سعد زغلول " يا جدى " فقد ربيا أمى وهى طفلة يتيمة الأبوين فى الرابعة من عمرها فلم تعرف أبا سوى سعد ولم تعرف أما سوى صفية زغلول .
وأول صورة أذكرها لصفية زغلول هى صورتها وهى جالسة على يمينة وأمى على يسارة ، وأخى على أمين على يمينها وأنا على يسار أم وكان سعد يضع أمام طبقة طبقاً صغيراً فيه كمية من الجوز المقشور ويسمونة فى مصر "عين الجمل" وعندما كنا ندخل عليه وهو جالس على مائدة الطعام نقبل يده ونقول له "صباخ الخير يا جدى" فيعطى كل واحد منا بعض عين الجمل .. وذات يوم قال لنا : لا تقولو لى صباح الخير يا جدى وانما قولوا الحقيقة .. قولوا صباح الخير يا عين الجمل ومكثنا طوال طفولتنا نحييه على مائدة الإفطار بجملة " صباح الخير يا عين الجمل"! وكان الخادم يحمل الطعام أولاً إلى سعد ، ثم بعد ذلك إلى صفية ولم يحدث مرة واحدة أم جلست صفية فى صدر المائدة وهو منى فى مالطة أو سيشيل أو جبل طارق .. بل حتى بعد أن مات . بقى مقعدة خالياً على رأس المادة إلى أن ماتت صفية زغلول بعد وفاة سعد بعشرين عاماً ! وعلى الرغم من أن صفية زغلول كانت ابنة رئيس وزراء مصر الذى حكم 13 سنة بلا انقطاع فقد كان يعد يعاملها كما يعامل أى فلاح مصرى زوجتة .
روت لى كفيى زغلةل أنها فى يوم زفافها استدعتها أمها وقالت لها بعد انتهاء الفرح . سيأخذك زوجك من بيت أبيك فى باب اللوق إلى بيت زوجك فى غمرة فى عربة حانطور . اجلسى صامتة طوال الطريق . عندما تصل العربة أمام بيت العربي سينزل يعد ويقول لك : تفضلى ! اجلسى فى ماكنك ولا تتحركى ! سيقول لكرى للمرة الثانية : تفضلى ! اجلسى فى مكانك ولا تتحركى ! سيقول لكى فى المرة الثالثة تفضلى ّ عندئذ تنزلين من العربة وتدخلي معه إلى البيت !
وقالت لى صفية انها اتبعت تعليمات أمها . فلما وقفت العربة نزل منها يعد زغلول وقال لها تفضلى فلم تنزل وعندئذ قوجئت صفية بسعد زغلول يتركها ويدير ظهرة ويمشى نجو باب البيت .. وعندئذ وجدت نفسى أقفز من العربة وأجرى خلفة ولازلت منذ ذلك اليوم أجرى خلفه إلى الآن ! ولم يكن سعد يعد زوجتة لكى تكون عيمة . بل أعدها لتكون زوجة شرقية بمعنى الكلمة وعندما بنى بيته فى شارع سعد زغلول فى حى الانشاء بالقادرة بنى"سلاملك" ليستقبل فيه الرجال من باب خاص لهم بينما تدخل السيدات من آخر إلى ثالونات خاصة بهن .
وعلى الرغم من أن صفية زغلول كانت تضع البرقع الأبيض على وجهها . إلا أنها كانت تسافر مع زوجها إلى أوربا كل صيف . وهناك تخلع الحجاب وتمشى سافرة .
وكان الشيخ محمد عبد وقاسم أمين محرر المرأة من أقرب اصدقاء سعد . فكان سعد يدعوهما ليتناولا الغداء أو العشاء فى حضور زوجتة واكنت صفية تتحدث أحياناً مع سعد فى الكتب الفرنسية التى قرأتها وكانت لها مكتبها الخاص بجوار غرفة نومها .
وكانت صفية زغلول ست بيت ممتازة تتحرك بنشاط غريب بين طوابق البيت ومع أنه كان لديها عدد من الخدم إلا أنها لم تكن تتردد أن تمسك بيدها فوطة لتمسح التراب . أو تحمل فى يدها مقشة لتنظيف شرفة البيت . وكانت تحدد يوم الأربعاء لما تطلق عليه "يوم التنفيض" أى يوم التنظيف . وفى هذا اليوم يتشقلب كل شئ فى البيت رأساً على عقب . لينظف الخدم ما تحت الكراسى والمقاعد والدواليب والسجاجيد .
وكانت تحدث خلافات لطيفة بين سعد وصفية فى هذا اليوم . فاما تدخل غرفة نومه وتتعجله أن يرتدى ملابسة وينزل إلى السلاملك حتى تستطيع أن تنظف الغرفة التى يجلس فيها كان سعد يداعبها ويحاول أن يبطئ فى الجلاء عن الغرفة وهى تتعجلة لأنها تعتبر نظافة البيت هى مسألة حياة أو موت!
ومع ذلك كانت تطيعه فى كل يوم من أيام الأسبوع طاعة عمياء . فيما عدا يوم الأربعاء وهو "يوم التنفيض" ! وكان سعد لا يتدخل فى شئون الخدم ! وكانت صفية ترفض أن تسمى الخدم خدما بل تصر أن تسميم "العائلة" وقد تعلمت ذلك من سعد الذى كات يقول دائماً أن خدمه هم جزء من عائلته ويرفض أن يقدم لهم طعاماً يخالف طعامه . بل يصر أن يأكلوا من نفس الطعام الذى يأكله . فإذا جاءت له هدية مانجو مثلاً خرجت صفية بنفسها إلى غرفة الأوفيس وهى الغرفة المجاورة لغرفة الطعام واختارت نصيب السفرجى والطباخ والكمريرة والبواب والعربجى والسايس قبل أن يأكل سعد زغلول من هذه المانجو ! فإذا أكل سعد فراخاً يجب أن يأكل البواب نفس الفراخ . وكانت هناك رابطة عجيبة بين سعد وصفية ومن يخدمونهما فلقد مكث مثلا عم آدم بواباً لبيت سعد لمدة خمسين عاماً !ومكث الحاج أحمد عثمان خادم سعد زعلول الخاص فى خدمته ستين عاماً . ومكث الأسطى أحمد بدران فى بيت الأمة خمسة وثلاثين عاماً وكانو يسمونة "أحدث موظف فى البيت" !
وكانت صفية تكره النساء المتبرجات . وقد تدهش القارئة أن أم المصريين لم تضع "البودرة على وجهها إلى آخر يوم فى حياتها حتى أنها تضع بودرة أو مساحيق يوم زفافعا .. وذلك أن سعد زغلول قال يوماً أنه يكره البودرة ويحب الوجه الطبيعى بلا طلاء !
وإذا أرادت أن تصف فتاة بأنها مؤدبة جداً قالت : أنها لا تشرب القهوة ولا تدخن ولا تضع ساقاً على ساق ! .. ففى ذلك الزمان كان شرب القهور قاصراً على السيدات المتزوجات!
وحدث فى عام 1935 أن كنت أقيم مع أمى فى أمريكات . حيث كان والدى سفيراً هناك وذات يوم وصل أمى خطاب والمظروف مجلل بالسواد والعنوان بخط صفية زغلول . وفزعت أمى عندما فتحت الخطاب فوجدته مجللاً بالسواد فى كل صفحة من صفحاته واعتقدنا ان أحداً من أقرباء الأسرة قد مات وفزعت أمى وارتعشت مفاصلهخا . وإذا بصفية زغلول تقول لها أن احدى بنات شقيقات أم المصررين طلقت من زوجها !
فقد اعتبرت صفية زغلول أن طلاق سيدة فى الأسرة هو حادث جلل ومصاب فادم كالوفاء تماماً ! وكانت شقيقتها الكبرى "زكية هانم" أشبة بأم لها بعد وفاة أمها وكان أسمها "قصاقيش هانم" وهو اسم تركى .
وحدث عندما الانجليز سعد زغلول إلى جزيرة مالطة أن ذهب الدكتور محمود صدقى باشا محافظ العاصمة السابق إلى محطة مصر ليودع سعد والانجليز يحملونة فى قطار مسلح إلى السويس فى طريق إلى مالطة .
وعاد محمود صدقى باشا من المحطة وقال لزوجتة أن سعد زغلول أخطأ لأنه قاد الثورة ضد الانجليز لأن الشبع المصرى لا يستحق الاستقلال وأيدت زكية هانم زوجها فى رأية ضد الثورة واذا بصفية زغلول تقرر مقاطعة اختها الكبرى وترفض أن تتحدث إليها أو تزورها أو تلتقى بها طوال مدة الثورة ! واستمرت هذه المقاطعة سنوات طويلة وكانت صفية تقول : أننى أقاطع كل مصرى يقف ضد الثورة حتى ولو كانت أختى !
وكانت أحياناً تجلس معنا فى غرفتها بالطابق العلوى . وكانت غرفتها إلى جوار السلم . وتحتدم المناقشة ويرتفع صوتها .؟ فإذا سمعت أقدام زوجها تصعد على درجات السلم الرخام وتوقف عن الكلام وقالت هامسة "سعد حضر" ومعنى أن زوجها قد حشر فإنه وحده الذى له حق الكلام فى البيت !
كانت هذه هى صورة صفية زغلول قبل ثورة 1919 وقبل قيام الثورة قال لها سعد زغلول انتى قررت أن أضع – أن أضع رأسى على كفى الأيمن ! قالت له : وضع رأسى على كفك الأيسر! وقبض الأنجليز على سعد زغلول وفى يوم وليلة تبدلت القطة الوديعة الى نمرة مفترسة . السيدة الخجولة أصبحت امرأة جريئة بنت الشعب عدو الانجليز . الزوجة المطيعة أصبحت زعيمة ثائرة!
دق جرس التليفون فى بيتها وتحدث معها على شعراوى باشا وكيل الوفد وقال لها أنه سيدعو أعضاء الوفد فى بيته للاحتجاج على نفى سعد زغلول . فصاحت صفية فيه : لماذا يجتمع الوفد فى بيتك ؟ يجب أن يجتمعوا فى بيت سعد كما كان يحدث فى وجوده وإلا تكون خضعنا لأمر الأنجليز يجب أن تجتمعوا هنا فى نفس البيت . ليعرفوا أنهم إذا كانوا أخذوا سعد زغلول منا . فهو لا يزال معنا فى نفس المكتب وفى نفس البيت .
وجاء أعضاء الوفد جميعاً إلى بيت سعد زغلول واجتمعوا فى نفس مكتب سعد وقالت صية زغلول أنها تريد أن تقابلهم فوقفوا جميعاً فى شرفة السلاملك وفتحت هى باب غرفة الطعام وواربت الباب ووقفت وراءة وحدثتهم بحماس وطالبتهم بالصمود والثبات واشعال نار الثورة فى كل مكان كما اتفق معهم سعد زغلول .
وفى أول يوم لم ير أعضاء الوفد وجه صفيو زغلول فقد كانت مختفية وراء الباب كل ما سمعوه هو صوتها . وكان مليئاً بالقوة والحماس والتحدى مما اشعل فى قلوبهم النار !
وفى اليوم التالى فتحت باب غرفة الطعام وواجهت أعضاء الوفد . ولأول مرة رأوا وجهها . وكانت غير محجبة وتحدثت معهم وقالت لهم تأكدوا أنكم لستم وحدكم . كل البلد معكم ! وفى اليوم الثالث خرجت إلى شرفة السلاملك وخطبت فى الجماهير ودعتهم أن يتحدوا الانجليز وقالت لهم أن الإيمان قادر أن يهزم المدافع والرصاص !
وهكذا فى ثلاث أيام تحولت من "حريم" إلى زعيمة ثورة! واصبحت تكتب المنشور الحماسية ضد الانجليز وتوقعها بإمضاء "صفية زغلول" . ولم أسمعها فى تلك الأيام تتحدث عن شوقها لزوجها . وإنما كانت تتحدث عن شوقها للثورة وانما كانت تتلهف عن "صحة" الثورة ! وبدأت المعارك بين الشعب والجيس البريطانى فى كل مدينة ... وكان أكبر ميدان قتال فى الثورة هو شارع سعد زغلول الذى يقع فى أولة بين سعد والذى أطلق عليه الشعب "بيت الأمة" .. وأمام هذا البيت كانت تجتمع الألوف هاتفة بحياة سعد وسقوط الانجليز فتجئ سيارات الجيس البريطانى المسلحة والجنود الانجليز يحملون البنادق ويطلقون الرصاص على الثائرين ... ويسقط قتلى وجرحى من المصريين ورأيت صفية زغلول وخلفها أمى تنزلان إلى حديقة الدار . وجماهير تحمل القتلى والجرحى إلى حديقة البيت وصفية تغمن عيون القتلى وتقبل أيديهم ثم تتولى تمضيد جراح الجرحى وفى أول يوم كانت صفية تفل ذلك وحدها وبعد 24 شاعة فقط امتلات حديقة البيت بعشرات السيدات المصرييات يقمن بدور الممرضات ويحملن القتلى والجرحى وذات يوم سقط شاب قتيلاً أمام بيت الأمة ولفة الشعب الثائربالعلم المصرى وكان فى تلك الأيام أحمر اليوم وفى وسطة هلال أبيض ونجمة بيضاء وصاح شاب أنه يعرف الشاب الشهيد وأنه يسكن بجوارة فى حارة جانبية ناميش بالسيدة زينب وحمل الشعب جسة الشهيد فى مظاهرة شعبية وثرت أنا وأخى خلف المظارة بغير تفكير فى الاستذان من امنا وكنت أتصور حالة أم الشهيد عندما تر ابنها عائداً إليها وهو جسة هامدة اخترقتها عدة رصاصات وعندما وصلنا إلى بيت الشهيد فوجئنا بسيدة واقفة فى النافذة تذغرد وعرفنا أنها أم الفقيد واقشعرت أجسامنا ونحن نرى أم تزغرد لأن ابنها استشهد من أجل الوطن وعدنا إلى بيت الأمة وروينا لصفية زغلول ما رأيناه فارتدت ملابسها على الفور وصحبتنا معها إلى بيت الشهيد الشاب لاندلها على عنوانه وركبنا عربتها "الحنطور" فلم يكن سعد يملك سيارة فى تلك الأيام . وسارت العربة فى ازقة وحوارى إلى أن وصلت إلى بيت الشهيد وأرتنا صفية زغلول أن ننتظرها فى العربة وصعدت بمفردها إلى الغرفة المتواضعة التى تسكن فيها أم الشهيد فوق السطوح وجلست معها تعزيها وتواسيها وتوهنئها على شجاعتها وتؤكد لها أن ابنها لم يمت لأن الشهداء لا يموتون وأصبح من أهم أعمالها فى سنوات الثورة أن تذهب بنفسها فى عربتها الحنطور إلى بيوت الشهداء تواسى الأمهات وتعزى الزوجات وتقبل الأطفال اليتامى فإذا كان الشهيد من خارج القاهرة كلفت رئيسة لجنة السيدات فى كل مدينة أن تذهب إلى أسرة الشهيد بالنيابة عنها فإذا حضرة الى بيت الامة لشكرها أصرت أن تجلس على يمينها فى الصالون قبل زوجات البشوات وكانت تقول أن كل أم شهيد هى "أميرة" فى دولة البثورة ويجب أن تعامل معاملة الأمراء وعاشت صفية زغلول عشرين عاماً بعد وفاة سعد يوم 23 أغسطس سنة 1927 ودفن سعد فى أول الأمر فى قبر فى حى الإمام الشافعى ومكثت صفية زغلول تقطع يومياً هذه المسافة لمدة 9 سنوات إلى أن قام برلمان منتخب انتخاباً حراً . وأصر على تقبل جثمان سعد من قبرة فى الإمام الشافعى إلى ضرية إمام بيت الأمة . وأقيمت له جنازة شعبية ثانية فى عام 1936 لا تقل روعة ولا ضخامة عن جناتزة الأولى عام 1927 وكانت غرفة نوم صفية تطل على الضريح وكانت إذا استيقظت من نومها اتجهت أول ما تفتح عيناها إلى نافذتها التى تطل على الضريح . وتقرأ الفاتحة على روح الرجل الذى أحبة منذ رأية لأول مرة ليلة فرحها وبعد الظهر ترتدى ملابسها وتذهب إلى القبر وتنشر عليه الزهور والرياحين وتقف خاشعة أمام القبر عشر دقائق وكانها تناجى رجلها بصوت لا يسمعة إلا هو وهو ومكثت ترتدى السواد عشرين عاماً ورفضت أن تخلعة وقالت أن ستخلج السواد يوم يخرج أخر جندى أجنبى من مصرلا ولن تستطيع أن تفى بوعدها لأنها ماتت قبل الجلاء عن مصر بتسع سنوات .

سلسال الوزراء في مصر بين الماضي القريب والمستقبل المرتقب وكيف يتم تعيين الوزير؟!

تزوجت ابنة رشيد محمد رشيدوزير التجارة والصناعة عام 2006 من أمين، نجل رجل الأعمال السعودي البارز عاكف المغربي، وهو بالمناسبة شقيق المهندس أحمد المغربي ,وزير الاسكان ولا يفوتنا ايضاً علمنا بأن المغربي هو ابن خالة محمد لطفي منصور وزير النقل، وأن الأمر لا يقتصر على صلة القرابة، وإنما تجاوزه ليصل إلى الشراكة في الكيان الضخم "المنصور والمغربي"، الذي يجمع سلسلة شركات في مجالات كثيرة
                                وهكذا تصبح السلطة شركة عائلية بامتياز؟                                            


كلمني الرئيس تليفونياً وقال لي إن عبد الحكيم عامر سوف يعين نائباً للقائد الأعلى وسيتولى وزارة الحربية شخصٌ آخر، وما دام قد خرج من الوزارة فهي فرصة لتعيين وزيرة، وقال لي عبد الناصر: عندكم أحسن أرشيف، فاختر لي أحسن 10 نساء في مصر وأرسل لي صورهن وتاريخ حياتهن

حكمت أبو زيد عُينت وزيرة رغم أنها رقم 10 بين السيدات اللاتي أرسلت أسماءهن للرئيس، فاتصلت به وسألته:
لماذا اخترت حكمت أبو زيد؟
فقال: "لأنها أوحش واحدة"
            الملف الشائك                                                                 
سلسال الوزراء في مصر بين الماضي القريب والمستقبل المرتقب وكيف يتم تعيين
الوزير؟!                        
من حقك أن تتساءل عن اختيار الوزراء: كيف ومن ولماذا

مصر هي اول دولة عربية تعين منصب وزيرة








كان أحد أحلام الرئيس جمال عبد الناصر هو اختيار امرأة لشغل منصب وزيرة
يقول الكاتب الصحفي مصطفى أمين: "في عام 1960 قلت للرئيس جمال عبد الناصر إنني أرى أن مجلس الأمة يحترم العضوتين وأن الوقت ملائم لكي نعين وزيرة وبهذا تكون مصر هي أول دولة عربية تعين وزيرة، ودارت بيننا مناقشة اقتنع في نهايتها بفكرتي
وفجأة دخل المشير عبد الحكيم عامر فقال لي الرئيس:
قل له على فكرتك عن المرأة!
فهب عبد الحكيم عامر واقفاً وخلع حزام بذلته العسكرية وحلف بالطلاق قائلاً: "عليّ الطلاق بالثلاثة لو ست دخلت مجلس الوزراء لأخرج أنا منه"!
ويقول مصطفى أمين: وماتت الفكرة، وبعد عامٍ أو اثنين كلمني الرئيس تليفونياً وقال لي إن عبد الحكيم عامر سوف يعين نائباً للقائد الأعلى وسيتولى وزارة الحربية شخصٌ آخر، وما دام قد خرج من الوزارة فهي فرصة لتعيين وزيرة، وقال لي عبد الناصر: عندكم في أخبار اليوم أحسن أرشيف، فاختر لي أحسن 10 نساء في مصر وأرسل لي صورهن وتاريخ حياتهن
وفعلاً نزلت الأرشيف واخترت عشراً، بينهن أمينة السعيد وكريمة السعيد وفاطمة عنان المفتشة في وزارة المعارف وعائشة راتب وكانت وقتها أستاذة في الجامعة، واقترحت أن تعين أم كلثوم وزيرة للثقافة والفنون الجميلة، واخترت أيضاً عزيزة أحمد حسين، وكانت آخر سيدة في القائمة حكمت أبو زيد، وأرسلت للرئيس الصور ولم يرد عليّ
وبعد فترة تألفت الوزارة، وفوجئت بأن حكمت أبو زيد عُينت وزيرة رغم أنها رقم 10 بين السيدات اللاتي أرسلت أسماءهن للرئيس، فاتصلت به وسألته:
لماذا اخترت حكمت أبو زيد؟
فقال: "لأنها أوحش واحدة"
(رشاد كامل، حياة المشير عبد الحكيم عامر، دار الخيّال، القاهرة، 2002، ص 139-140)
وهكذا شاءت تصاريف القدر أن تصبح ابنة قرية الشيخ داود بالقوصية محافظة أسيوط، أول وزيرة عربية
شعورٌ بالاستغراب والدهشة سيطر على أستاذة القانون الدولي د. عائشة راتب حين نشرت الصحف المصرية في صفحتها الأولى في 12 نوفمبر تشرين ثانٍ ١٩٧١ خبر تعيين د. عائشة - والتي كانت آنذاك في الثالثة والأربعين من العمر- وزيرة للشؤون الاجتماعية
ففي أعقاب انتخابها لعضوية اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي شاركت في المؤتمر العام وكان النقاش دائراً حول الدستور. ولأنها كانت قانونية فقد ذهبت لزملائها في الكلية وسألتهم عن اعتراضاتهم على مواد الدستور، وجمعت آراءهم. كان النقاش حول اختصاصات رئيس الجمهورية حين اعترضت د. عائشة راتب على توسيع اختصاصات رئيس الجمهورية وظلت تقول "لا يجوز" و"لا يليق" وفق ما هو مدون في محاضر الجلسة الرسمية. استمرت الجلسة ثلاث ساعات وهي مصرة على الرفض فأرسل لها البعض ورقة وقالوا لها فيها "ارحمينا يا دكتورة عائشة"
تقول د. عائشة راتب: "وكان الرئيس أنور السادات موجوداً في الجلسة في الطابق العلوي إذ كان يرأس اجتماعات اللجنة المركزية وقتها، وقد سمعت بعد ذلك منه شخصياً في اجتماع لجنة السياسات واللجنة الوزارية أنه قال للوزراء "إنتو عارفين أنا جبت الدكتورة عائشة وزيرة ليه؟ لأنها في اللجنة المركزية وأنا موجود جلست تناقش اختصاصات رئيس الجمهورية، فقررت تعيينها وزيرة"
أما عن معرفتها بالخبر، فقد أخبروها في المنزل أن مكتب وزير الداخلية اتصل بها، وكانت وقتها تلقي محاضرة في المؤتمر العمالي التابع لجامعة الدول العربية، وكانت في المحاضرات تنتقد رفض العرب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٤٧ الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين إسرائيلية وأخرى فلسطينية، وترى أنه لو قبل العرب ذلك لاختلف الوضع. اعتقدت د. عائشة راتب أن الحكومة لم يعجبها كلامها فاستدعتها. وذهبت إلى ممدوح سالم وكان وزيراً للداخلية، فأخبرها بضرورة الذهاب إلى مجلس الوزراء، فذهبت وقابلت د. محمود فوزي الذي قال لها: "يا دكتورة نحن يسعدنا ويشرفنا أن تكوني وزيرة معنا"، فقالت: "وزيرة إيه؟"، قال: شؤون اجتماعية، قالت: "أنا أستاذة قانون، مالي ومال الشؤون الاجتماعية"! فقال "الشؤون الاجتماعية كلها قوانين ونحن نريدك لذلك"
اشترطت د. عائشة راتب أن تكمل العام الدراسي مع الطلبة وأن ترجع للكلية بعد خروجها من الوزارة. وفي حجرة الوزراء جاءها صوت د. محمد حافظ سالم من آخر الغرفة يقول: "كمان بتتشرطي"، فقالت: "أنا لا أشترط إنما لابد أن أنهي التزاماتي تجاه الطلبة". بعد ذلك حلفت اليمين أمام الرئيس وأصبحت ثاني وزيرة للشؤون الاجتماعية في مصر (عائشة راتب وزيرة الشؤون الاجتماعية والتأمينات في السبعينيات لـ "المصري اليوم": السادات سيدخل الجنة "حدف".. ومصر كلها مديونة لي، جريدة "المصري اليوم"، 4 سبتمبر 2008)
صداقات رفاق السلاح منحت فرصة للضباط الأحرار كي يستوزروا
فقد أصبح المشير عبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادي وحسين الشافعي وزراء للحربية أثناء عهد الثورة
وحين تشكلت برئاسة علي ماهر الوزارة الأولى في عهد الثورة، والتي تحمل الرقم 70 في تاريخ مصر الحديث، تولى رئيس الوزراء في هذه الوزارة ثلاث وزارات بالإضافة إلى منصب رئيس الحكومة، في حين تولى مدير مكتبه وصديقه الحميم إبراهيم عبد الوهاب وزارتين، وبقيت الوزارة الخامسة عشرة في تلك الحكومة وهي وزارة المواصلات بلا وزير، ثم عُيِنَ لها بعد أسبوع وزير تولاها لمدة يوم أو يومين بصفة شكلية حتى يكون مؤهلاً لمنصب أعلى، وهو رشاد مهنا مرشح الضباط الأحرار لعضوية مجلس الوصاية
وفي الوزارة التالية، وهي وزارة الرئيس محمد نجيب الأولى، تولى فتحي رضوان منصب وزير الدولة، وسرعان ما أنشئت وزارة الإرشاد القومي. ويذهب البعض إلى القول بأن هذه الوزارة أسست لفتحي رضوان أو أنه أسسها هو بنفسه، خاصة أنه كان على علاقة قوية بمجلس قيادة الثورة وبالذات جمال عبد الناصر، مثلما كانت الحال بالنسبة للرئيس أنور السادات وكل من سيد مرعي وعثمان أحمد عثمان اللذين ارتبط بهما السادات بعلاقات مصاهرة
ويروي فتحي رضوان لضياء الدين بيبرس كيف أنه لم يمض 24 ساعة على الاجتماع الذي عقده قادة الثورة للتعارف معه والاستماع إلى آرائه حتى فوجىء باختياره عضواً في الوزارة الجديدة. بل إنه يؤكد أنه في ذلك اليوم اعتذر عن عدم دخول الوزارة أكثر من 20 مرشحاً، منهم محمود محمد محمود ومريت غالي وإبراهيم بيومي مدكور وحامد سليمان وحفني محمود. وكانت طريقة الاستدعاء لدخول الوزارة في بعض الأحيان من أسباب الاعتذار عن عدم دخولها. فعلى سبيل المثال، حفني محمود كان مسافراً إلى الإسكندرية في الطريق الصحراوي، فلحقت به سيارة جيب من سيارات الشرطة العسكرية وأعادته إلى القاهرة من دون أن تقدم له سبباً واضحاً؛ لأن قائد الحملة نفسه لم يكن يعلم السبب. وبهذه الطريقة دخل حفني محمود مجلس قيادة الثورة وهو يظن أنه مطلوب للاعتقال، فلما عرف أنه مرشحٌ للوزارة اعتذر في الحال (ضياء الدين بيبرس، فتحي رضوان يروي أسرار حكومة يوليو، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1967)
ويشير فتحي رضوان إلى أنه هو الذي أقنع عبد الناصر باختيار الشيخ أحمد حسن الباقوري كمرشحٍ للإخوان المسلمين وزيراً للأوقاف، في حين كان عبد الناصر يميل إلى اختيار مرشحٍ إخواني آخر هو حسن العشماوي. أما مسوغات اختيار الباقوري فيرويها فتحي رضوان كالتالي: "فقلت له "عبد الناصر" مبرراً ترشيحي.أنا عاوز في الوزارة دي "عمامة" وعاوزها على رأس شاب. والشيخ الباقوري خطيب ووسيم، ودخل السجن وقاسى أهوال المعتقل، فهو صورة للأزهري غير الصورة المعروفة عنه للناس"
ويحكي عثمان أحمد عثمان في مذكراته عن استدعاء الرئيس أنور السادات له في أكتوبر تشرين أول 1973. في بادىء الأمر، لم يكن عثمان يعرف الغرض من المقابلة التي استمرت ساعة ونصف الساعة كاملة، تحدث السادات فيها عن تصوراته لإعادة المياه إلى منطقة القناة..إلى أن يقول مؤلف الكتاب: "قال لي الرئيس هيا يا عثمان. تصورت أن المقابلة قد انتهت، فقلت: أتركك بخير يا سيادة الرئيس، قال إنه أصدر قراراً بتعييني وزيراً للتعمير. وكانت مفاجأة أخرى بالنسبة لي، مفاجأة سعيدة لا أتمناها، لذلك قلت: إنني أستطيع أن أقوم بهذا الدور على أحسن ما يكون.. وأنا خارج الوزارة يا سيادة الرئيس. وقال: إن تعمير القناة يحتاج إلى وزير
(عثمان أحمد عثمان، صفحات من تجربتي، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1981)
في تلك المقابلة، قال له السادات أيضاً: "عثمان، أنا عاوزك وزير تعمير عشان أضمن إن كل حاجة تمشي مضبوط"
وعندما سأل السادات عن مصور الرئاسة لكي يلتقط صور حلف عثمان أحمد عثمان لليمين الدستورية، تبين أنه ذهب إلى منزله..في حين لم يكن فوزي عبد الحافظ سكرتير السادات، وحسن كامل رئيس الديوان، على علمٍ بالمقابلة التي يبدو أنها فكرة خطرت على ذهن السادات فجأة. وهكذا تم استدعاء المصور فوراً، ليؤدي عثمان اليمين الدستورية وهو يشعر بحجم المفاجأة وهكذا اختير عثمان وزيراً للتعمير في حكومة د. عبد القادر حاتم في 28 أكتوبر تشرين أول 1973، ليظل في الوزارة لمدة ثلاث سنوات عاصر أثناءها ثلاث حكومات متعاقبة. فقد اختير وزيراً للإسكان والتعمير في حكومة د. عبد العزيز حجازي في 26 سبتمبر أيلول 1974، ثم احتفظ بالحقيبة الوزارية نفسها في حكومة ممدوح سالم في 16 إبريل نيسان 1975، إلى أن خرج من الوزارة في نوفمبر تشرين ثانٍ 1976وحكاية عثمان مع السادات تبدأ عندما كان الاثنان يسكنان متجاورين في منطقة الهرم قبل ثورة يوليو 1952، ومن ثم تعارفا وتوطدت العلاقة بينهما لتصبح في فترة من الفترات أشبه بالتوأمة. ويؤكد عثمان أنه كان بينه وبين السادات نوع من "التوافق النفسي"، فقد كانا جارين وبينهما "عِشرة عمر"
يقول عثمان: "عندما أُعلِنَت أسماء وأعضاء مجلس قيادة الثورة لم أجد في الأسماء من أعرفه إلا محمد أنور السادات الذي عاش خلال مراحله الأولى فترة في الإسماعيلية، ثم رأيته في بورسعيد عقب العدوان الثلاثي عام 1956. وكنت قد حضرت من السعودية خصيصاً لكي تشارك شركتي في تعمير بورسعيد، وذهبت أزوره في بيته وفتح لي باب منزله بنفسه وهو يرتدي الجلباب. وكلفني ذات يومٍ بإدخال بعض التعديلات على منزله، وطلب أن نبني فيللا لابنته، ثم طلب بناء فيللا لكريمته الثانية. وتكررت الزيارات العائلية"
ويبدو أن هذه العلاقة القوية بين عثمان والسادات كانت وراء موافقته على تولي منصب وزاري، إذ كان الأول قد سبق له في شتاء 1960 رفض عرض من المشير عبد الحكيم عامر بأن يتولى من منصب وزير السد العالي، إذ قال له عثمان رداً على العرض المذكور: "أنا أنفعكم كمقاول، ولا أنفع مصر إلا كذلك يا سيادة المشير"!
وتكشف حكاية سيد مرعي مع المنصب الوزاري جزءاً من لعبة شد الحبل بين القيادة السياسية والمرشح للوزارة
لقد اشترك في الوزارة عام 1956 كوزير دولة للإصلاح الزراعي، ثم وزيراً للزراعة عام 1957 بالإضافة إلى الإصلاح الزراعي، ووزيراً للزراعة عام 1958 "الإقليم الجنوبي" أثناء تجربة الوحدة مع سوريا، ثم وزيراً مركزياً للزراعة والإصلاح الزراعي حتى أكتوبر تشرين أول عام 1961 "في أعقاب الانفصال"، وعاد وزيراً للزراعة بعد حرب 5 يونيو حزيران 1967، وفي سبتمبر أيلول 1970 وأصبح في نوفمبر 1971 نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الزراعة والري، ووزيراً للزراعة والإصلاح الزراعي
وفي أكتوبر تشرين أول 1957 كان المهندس سيد مرعي يشغل منصب وزير الدولة للإصلاح الزراعي، حين فوجىء في أحد اجتماعات مجلس الأمة المصري بوزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية علي صبري يناوله ورقةً صغيرة موجهة له تقول سطورها: "إن الرئيس جمال عبد الناصر يريد أن تتولى وزارة الزراعة إلى جانب عملك كوزير دولة للإصلاح الزراعي
وبعد الاجتماع جلس سيد مرعي مع علي صبري وأوضح له دوافع اعتذاره عن عدم قبول المنصب، وفي الوقت نفسه يبلغ الرئيس عبد الناصر اعتزازه بهذه الثقة من جانبه
وباقي ما جرى يرويه المهندس سيد مرعي في مذكراته كالتالي:
"في اليوم التالي دعاني الرئيس عبد الناصر للغداء معه، وكان علي صبري قد أبلغه برفضي لوزارة الزراعة، وذهبت إلى بيته في منشية البكري ووجدت هناك المشير عبد الحكيم عامر، ودارت أحاديث عادية على الغداء ولم يفتح الرئيس الموضوع ولم يشر إليه. وبعد أن انتهينا من تناول الغداء جلسنا في الصالون نحن الثلاثة وحدنا، والتفت إليَّ المشير عامر وقال لي فجأة:
- هل يجرؤ إنسان في مصر أن يعترض على قرار يصدره جمال عبد الناصر؟
وفهمت على الفور مقصده وقلت له:
- لا طبعاً.. هي المسألة مش رفض لأمر أو اعتراض على قرار..إنما هي مسألة هل الإنسان يستطيع القيام بالعمل المطلوب منه أو لا يستطيع؟
قال لي عبد الحكيم عامر:
ما توضح كلامك.. إيه المسألة بالضبط؟
فقلت له: في الحقيقة هناك اعتباران جعلاني أعتذر عن وزارة الزراعة.. الأول انشغالي بالإصلاح الزراعي، والثاني وهو الأهم وجود مديرية التحرير
وتدخل الرئيس عبد الناصر في الحديث وقال لي:
- طيب بنشيل مديرية التحرير من وزارة الزراعة.. إذا كانت هي دي المشكلة"
ويختتم سيد مرعي الواقعة السابقة بقوله:
"ولم تعد لي حجة أخرى، فقلت له: وأنا أقبل وزارة الزراعة على هذا الأساس" (سيد مرعي، أوراق سياسية ــ الجزء الثالث، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1977)

أما الدكتور أحمد خليفة فيروي في مذكراته "الرأي والرأي الآخر" كيف أنه في 29 سبتمبر أيلول 1965 كان في منزله يقوم بتنظيف وطلاء حذائه، حين دق جرس الهاتف، حيث أبلغه سكرتير زكريا محيي الدين بأن الأخير يطلب لقاءه في منزله صباح اليوم التالي. وفي الموعد المحدد عرض عليه زكريا محيي الدين منصب نائب الوزير لوزارتي الشؤون الاجتماعية والأوقاف. وبعد تشكيل وزارة صدقي سليمان في سبتمبر أيلول 1977 التي أصبح فيها د. أحمد خليفة وزيراً للأوقاف والشؤون الاجتماعية، سأل د. خليفة الرئيس جمال عبد الناصر عن سبب تكليفه بوزارةٍ يعلم مسبقاً أنه غير مُلِم بأوضاعها، فكان رد عبد الناصر "يمكن علشان تكمل بناء الجامع"، ويقصد الجامع الذي أصبح يحمل الآن اسم عبد الناصر ويضم ملحقه الآن رفات الرئيس الراحل
ويتعين ألا ننسى أن د. ثروت عكاشة أحد أبرز وزراء الثقافة في تاريخ مصر فوجىء بخبر اختياره للمنصب الوزاري عبر أثير الإذاعة
فقد كان د. عكاشة مع زوجته يشغلان مقعدين في أحد الصفوف الأمامية من دار الأوبرا في العاصمة الإيطالية روما في مساء 8 أكتوبر تشرين أول 1958. وبعد أن انتهى العرض الممتع وغادر الأوبرا، أخذ يستمع كالعادة إلى نشرة أخبار الحادية عشرة من إذاعة القاهرة، فأصيب بدهشةٍ بالغة عندما وجد أن الخبر الأول يذيع اسمه كوزير للثقافة ضمن تشكيلٍ وزاري جديد. ويروي الرجل في مذكراته (ثروت عكاشة، مذكراتي في السياسة والثقافة، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1988) أنه عاد إلى مصر فوراً وطلب من الرئيس جمال عبد الناصر إعفاءه من شغل المنصب الوزاري الذي لم يُستشر في أمر إسناده إليه، لكن عبد الناصر أقنعه بالمنصب الوزاري، ليقدم د. عكاشة العديد من الأعمال الثقافية المهمة أثناء فترة توليه هذه الحقيبة الوزارية
أما أطرف وأغرب الاختيارات لمنصب الوزارة فقد جاءت من رفاق السجن والزنزانة
فقد اختار الرئيس أنور السادات رفيق السجن في قضية اغتيال أمين عثمان لمنصب وزير الخارجية. وقد أشار الرئيس المصري الراحل إلى محمد إبراهيم كامل ووسامة هذا السجين الأشقر في مذكراته "البحث عن الذات" (أنور السادات، "البحث عن الذات"، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1978). الطريف أيضاً أن محمد إبراهيم كامل يروي في مذكراته "السلام الضائع في كامب ديفيد" أنه كان في زيارة لوالدته في حي الزمالك في 25 ديسمبر كانون أول 1977 قبل أن يعود إلى منزله في حدود الساعة 5:30، ليفاجأ بزوجته تبلغه بأن الراديو والتليفزيون قد أذاعا نبأ تعيينه وزيراً للخارجية خلفاً للوزير السابق إسماعيل فهمي
وفي استراحة الإسماعيلية عاتب إبراهيم كامل السادات على تعيينه وزيراً للخارجية من دون أخذ رأيه، فرّد عليه السادات قائلاً إنه سمح لنفسه بتعيينه من دون سؤاله لأنه كان في منزلة ابنه (كان السادات يكبر إبراهيم كامل بتسع سنوات) وإنه اختاره لأنه يراه شخصاً يثق فيه تماماً ويتصف بالوطنية والشجاعة. وقال السادات له: لو علمت عدد الذين كانوا يتهافتون على هذا المنصب لما أسفت" (محمد إبراهيم كامل: السلام الضائع في كامب ديفيد، كتاب الأهالي رقم 12، القاهرة، 1987)
غير أن البحث عن وزير في العهد الملكي كان بدوره أشبه بالبحث عن فضيحة
(2): شلة باريس
يحرص الرئيس مبارك على أن يستشير بنفسه الوزراء السابقين فيمن يرونه قادراً على أن يخلفهم في مواقعهم
ولعل أبرز نموذج على ذلك هو اختيار وزير العدل السابق أحمد ممدوح لخلفه المستشار فاروق سيف النصر (1987). وأسلوب الرئيس مبارك يعتمد على السؤال والاستفسار عن عددٍ من الأشخاص من دون التركيزعلى اسمٍ بعينه أو الكشف عن اهتمامه بهذا الشخص، لأنه بطبيعته ميالٌ إلى التحفظ والتكتم
والشاهد أن مبارك يحرص على أن تكون له يدٌ في اختيار أو استبعاد الوزراء، وفقاً لتقييمه لأدائهم وانسجامهم مع الخط الرسمي للدولة
وفي حالة د. محمود أبو زيد وزير الموارد المائية والري الذي خرج من حكومة د. أحمد نظيف في 11 مارس آذار 2009، قيل كلامٌ كثير حول عدم رضاء الرئيس مبارك شخصياً عن أسلوب معالجته لقضايا المياه وحصة مصر في نهر النيل، الأمر الذي أدى في النهاية الأمر إلى خروجه من الوزارة
وترشيحات الوزراء أنفسهم قد تسهم في اختيار من يتولى المنصب الوزاري
فقد جاء د. عبد السلام عبد الغفار بترشيح من د. مصطفى كمال حلمي عندما وقع الانفصال بين وزارة التعليم العالي التي استبقاها د. مصطفى كمال حلمي لنفسه، والتربية والتعليم التي تولاها عبد السلام عبد الغفار (1984). وأسهم كمال حسن علي في ترشيح د. عصمت عبد المجيد ليصبح وزيراً للخارجية (1984) عندما أصبح الأول رئيساً للحكومة
ومن المحافظات أيضاً يخرج الوزراء، حيث إن نجاح المحافظ في أداء مهامه أو بروز اسمه إعلامياً قد يزكيه للعمل الوزاري بشكل تلقائي، وهو ما حدث لأول مرة في حالة محمد صبري زكي محافظ أسوان الذي اختير وزير دولة للصحة (1982)، ثم حدث في حالة يوسف صبري أبو طالب محافظ شمال سيناء الذي اختير وزيراً للدفاع (1982)، وفي حالة سعد الدين مأمون الذي اختير وزير دولة للحكم المحلي (1983) من منصب محافظ القاهرة، وهو ما حدث أيضاً مع د. محمود شريف (1991) بالترتيب نفسه

وقد اختير ناجي شتلة في الوقت نفسه وهو محافظ كفر الشيخ وزيراً للتموين (1993). كما حدث هذا مع أحمد جويلي محافظ الإسماعيلية الذي اختير وزيراً للتموين في أغسطس آب 1994. وفي 27 أغسطس آب 2006 صدر قرارٌ جمهوري بتعيين محمد عبدالسلام المحجوب ابراهيم وزير دولة للتنمية المحلية، وقد كان من أبرز من تولوا منصب محافظ الإسكندرية (1997-2006) واكتسب شعبية ضخمة، حيث بدأ ورشة من إعادة البناء والصيانة لعدد كبير من منشآت ومرافق المدينة العامة، ومنها كورنيش الإسكندرية الشهير. وتكررت مسألة التوزير مع ثلاثة محافظين لأسيوط اختيروا وزراء للداخلية وهم زكي بدر (1986) ومحمد عبد الحليم موسى (1990) وحسن الألفي (1993)
واختير عددٌ من الشخصيات البارزة من خارج ديوان الوزارة نفسها، كما حدث مع د. عبد العزيز كامل عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين الذي تولى وزارة الأوقاف في نهاية عهد جمال عبد الناصر، والذي احتفظ بالمنصب الوزاري في بداية عهد السادات. كذلك الحال مع د. مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة الذي اختير وزيراً للتعليم العالي (قبل أن يصبح وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية)، ومن قبله الشيخ جاد الحق علي جاد الحق الذي عُينَ مفتياً للديار المصرية في أغسطس 1978 ثم اختير وزيراً للأوقاف في 3 يناير كانون ثانٍ 1982، وظل في المنصب شهوراً قليلة، اختير بعدها شيخاً للجامع الأزهر في 17 مارس آذار 1982
وأصبح عادل طاهر وزيراً للسياحة (1982) بعد أن كان رئيس هيئة التنشيط السياحي. وعُينَ محمود محمد محمود وزيراً للاقتصاد في حكومة د. عاطف صدقي الثالثة (1993) وكان رئيساً لبنك مصر الدولي، ود. نوال التطاوي التي انتقلت خلال شهرٍ واحد من رئاسة بنك الاستثمار إلى عضوية مجلس الشعب، ثم إلى عضوية مجلس الوزراء كأول وزيرة للاقتصاد (1996) في تاريخ مصر
وعلى هذا الغرار، اختير المشير محمد حسين طنطاوي للدفاع (1991) وكان أحد القيادات البارزة في وزارة الدفاع، وعمرو موسى (1991) بعد أن كان سفيراً لامعاً ومندوب مصر لدى الأمم المتحدة، وعبد السلام عبد الغفار الذي اختير وزيراً للتربية (1984) وكان من أقدم عمداء كليات التربية، ود. أحمد هيكل الذي اختير وزيراً للثقافة (1985) وكان أستاذاً بالجامعة يشارك في الندوات والحوارات مع الجماعات المتشددة، وهي حوارات كانت محط اهتمام وسائل الإعلام، الأمر الذي زاد من أسهمه ورشحه للوزارة
د. يوسف والي كان أحد الذين وقعوا لحزب الوفد على بيانه التأسيسي في الشهر العقاري، وإذا بالجماهير الوفدية تفاجأ باختياره وزيراً في أول حكومة تمت فيها اختيارات جديدة في عهد الرئيس مبارك، وهي وزارة د. فؤاد محيي الدين الأولى في يناير كانون ثانٍ 1982. أما حلمي الحديدي الذي كان قد وصل إلى عضوية مجلس الشعب نائباً عن حزب العمل الاشتراكي، فقد أصبح وزيراً للصحة في حكومة د. علي لطفي (1985)، قبل أن يترك هذا المنصب عند أول تعديل
ومن رؤساء مجالس الإدارات، وبالذات في قطاع الصناعة، جاء عدة وزراء بينهم المهندس فؤاد أبو زغلة (1982) من شركة الحديد والصلب، ومحمد عبد الوهاب من شركة النصر للسيارات (1984)، وسليمان رضا (1996) من مجمع الألومنيوم في نجع حمادي، وتولوا وزارة الصناعة. وفي السياحة جاء فؤاد سلطان (1985) من رئاسة بنك مصر إيران، وفي الإسكان جاء صلاح حسب الله (1993) من رئاسة مجلس إدارة شركة المقاولون العرب. وفي الاقتصاد جاءت د. نوال التطاوي (1996) من رئاسة بنك الاستثمار العربي، وجاء محمود محمد محمود من رئاسة بنك مصر الدولي
وعلى بساط الحزب الوطني جاء وزراء إلى الحكومة، فقد اختير د. علي لطفي للوزارة وكان رئيساً للجنة الاقتصادية في الحزب الوطني، وجاء د. إسماعيل سلام من رئاسة اللجنة الصحية إلى مقعد وزير الصحة (1996)، وبالمثل جاء د. حلمي الحديدي من منصب الأمين العام المساعد للحزب إلى المقعد نفسه (1985)، وجاء د. محمود شريف من منصب الأمين السابق للشباب ليصبح وزيراً للإدارة المحلية (1991)
وفي حالة د. ممدوح البلتاجي ود. محيي الدين الغريب جاء الاختيار من الرجال الثواني في وزارة أخرى. فقد كان الأول رئيساً لهيئة الاستعلامات والرجل الثاني في وزارة الإعلام، لكنه اختير وزيراً للسياحة قبل أن يصبح وزيراً للإعلام (يوليو تموز 2004- 15 فبراير شباط 2005) لينتقل بعد ذلك وزير الشباب أنس الفقي ليحل في وزارة الإعلام محل د. البلتاجي الذي ذهب بدوره ليكون وزيراً للشباب‏. أما د. الغريب، فقد كان رئيس هيئة الاستثمار لمدة عشر سنوات (86 ـ 1996) والرجل الثاني في وزارة الاقتصاد ثم أصبح وزيراً للمالية لمدة ثلاث سنوات. غير أن الغريب تحول في 28 فبراير شباط 2002 من وزير إلى مسجون لمدة 25 شهراً، وبين يوم وليلة تحول من وزير تفتح له كل الأبواب إلى مسجون أغلق عليه باب الزنزانة، بموجب قضية الجمارك الكبرى
ومن نواب رؤساء الجامعات البارزين جاء د. أحمد هيكل للثقافة (1985)، ود. أحمد فتحي سرور للتربية (1986)، وأحمد سلامة للحكم المحلي (1986)، ود. محمود حمدي زقزوق للأوقاف (1996)، ومحمد ناجي شتلة للتموين (1983). أما من رؤساء الجامعات فجاء د. عادل عز رئيس أكاديمية السادات لوزارة البحث العلمي (1986)، ود. مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة لوزارة التعليم العالي (1997)
ومن رجال رؤساء الوزارات أنفسهم جاء عادل عبد الباقي وزيراً لشؤون مجلس الوزراء (1982) في وزارة د. فؤاد محيي الدين، ود. عاطف عبيد وزيراً لشؤون مجلس الوزراء والدولة للتنمية الإدارية (1984) في وزارة كمال حسن علي، وجلال أبو الدهب وزيرأً للتموين والتجارة الداخلية (1986) في وزارة د. عاطف صدقي، ومعه د. محمد الرزاز وزيراً للمالية ود. يسري مصطفى وزيراً للاقتصاد والتجارة الخارجية ود. أحمد فتحي سرور وزيراً للتربية والتعليم ود. أحمد سلامة وزيراً للحكم المحلي (1986)، وبالطبع وزير شؤون مجلس الوزراء طلعت حماد الرجل القوي في وزارة د. الجنزوري، وظافر البشري وزير الدولة للتخطيط في حكومة د. الجنزوري
وقد لا يعرف كثيرون أن أول وزير لقطاع الأعمال العام لم يكن هو د. عاطف عبيد، وإنما كان د. عاطف صدقي نفسه، وهكذا فإن د. عاطف عبيد ورث د. عاطف صدقي على مرحلتين، في البداية ورثه في منصبه الأحدث عام 1993 في وزارة د. عاطف صدقي نفسها كوزير لقطاع الأعمال العام وتنازل يومها عن إحدى الحقائب الثلاث التي كان يتولاها وهي حقيبة شؤون مجلس الوزراء، فيما احتفظ مع القطاع العام بحقيبتين أخريين هما التنمية الإدارية والدولة لشؤون البيئة. وفي 1997 في أثناء وزارة د. الجنزوري تنازل د. عاطف عبيد ربما بغير إرادته عن وزارتين أخريين من الثلاث التي كان يتولاها منذ 1984، وهكذا أصبح د.عبيد في 1997 يتولى وزارة التخطيط بدلاً من الوزارات الثلاث التي جمع بينها في 1984
لم يكن عاطف عبيد أول أستاذ إدارة أعمال يصل إلى منصب الوزارة، كان هناك قبله زميل له في القسم نفسه أكبر منه سناً وهو د. علي عبد المجيد عبده، الذي كان قد وصل إلى منصب وكيل كلية التجارة في جامعة القاهرة، وكان في شبابه ينتمي إلى الإخوان المسلمين. ود. علي عبد المجيد هو صاحب الفضل في اختيار زوجة د. عبيد، وهي د. نجدة محمد خميس، ابنة الوكيل السابق لجماعة الإخوان المسلمين
وقدم البرلمان والحزب الوطني رافداً آخر للوزارة
ويأتي كمال الشاذلي كنموذج بارز لهذا النوع من الاختيار، فقد كان يُوصف بأنه "الغول" و"المايسترو" تحت قبة البرلمان، إذ كان يخشاه الجميع ويحسبون له ألف حساب. غير أن كمال الشاذلي بدأ يفقد أنيابه في أعقاب تعيينه في حكومة د. عاطف صدقي الثالثة (1993) وزير دولة لشؤون مجلسي الشعب والشورى. وقبله ظهر توفيق عبد إسماعيل الذي اختير وزيراً للسياحة والطيران (1982) ولشؤون مجلسي الشعب والشورى.. لكنه دخل السجن مساء يوم ١٧ يوليو تموز ١٩٩٩ في قضية نواب القروض، وكانت ليلة عيد زواجه. قضى توفيق عبده إسماعيل الليلة الأولى داخل تخشيبة الخليفة، وهو يقول إنه "لن ينسى هذا اليوم الذي نامت فيه الصراصير إلى جواره"، قبل أن تمر ٨ سنوات ويعود إلى منزله في حي الزمالك (جريدة "المصري اليوم"، الثلاثاء ٨ مايو ٢٠٠٧)
كذلك يبرز اسم د. مصطفى السعيد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية (1982) في وزارة د. فؤاد محيي الدين الثانية. ويأتي أيضاً السيد علي السيد (1985) ووليم نجيب سيفين (1985) في وزارة د. علي لطفي. وجاء أمين الحزب الوطني في الإسكندرية د. زكي أبو عامر (1993) وزيراً لشؤون مجلسي الشعب والشورى ثم التنمية الإدارية
وبرزت قيادات عمالية لتدخل الوزارة، مثل سعد محمد أحمد وعاصم عبد الحق (1986) وأحمد العماوي (1993). وقدمت القوات المسلحة عدة وزراء بينهم وزراء مجلس قيادة الثورة، واللواء حسين صدقي الذي اختير وزيراً للإسكان في حكومة كمال حسن علي
وقد يتم اختيار الشخص لمنصبٍ وزاري لأسبابٍ تبدو غامضة، على الأقل في ظاهرها
اللواء حسن أبو باشا فوجىء بضمه إلى وزارة د. فؤاد محيي الدين التي تشكلت في أول يناير 1982، وقد أبلغه بالخبر اللواء نبوي إسماعيل الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية. فلما سأل أبو باشا عن أسباب اختياره وزيراً للداخلية، قيل له إن ذلك يعود لاعتباراتٍ داخلية عدة تحتم هذا الاختيار
وللصداقة دورٌ في التوزير
واستفاد د. عاطف صدقي من شلة باريس، وبينهم د. أحمد فتحي سرور (التربية) ود. محمد الرزاز (المالية) وفاروق حسني (الثقافة). فأما د. سرور فقد فشل في موقعه كوزير للتربية في الفترة من 11 نوفمبر تشرين ثانٍ 1986 إلى 12 ديسمبر كانون ثانٍ 1990، وقيل أيامها إنه صاحب بدعة الدفعة المزدوجة التي ضاعفت من قوة الدروس الخصوصية وأباطرتها في مصر
أما د. الرزاز فقد كان صديقاً مقرباً من د. صدقي حتى قبل الوزارة، وكثيراً ما كانا يقضيان أوقات فراغهما في لعب الطاولة (النرد). والطريف أن د. الرزاز كان أول من استدعاه د. صدقي عندما علم بنبأ تكليفه بتأليف الحكومة في مطلع يناير كانون ثانٍ 1986، وجلس معه نحو نصف ساعة في مجلس الوزراء قبل أن يتوافد عدد من الوزراء الذين اشتموا رائحة التغيير الوزاري ورأوا أنه من الضروري أن يذهبوا إلى د. صدقي لمعرفة الخبر اليقين
ويبقى اسم د. الرزاز في ذاكرة المصريين مرتبطاً بالضرائب والجمارك والدمغات التي أرهقتهم إلى حدٍ كبير، علماً بأنه صاحب أطول فترة قضاها وزير مالية في المنصب ، إذ شغل هذا الموقع 10 سنوات كاملة منذ حكومة د. عاطف صدقي في 1986 وحتى 1996

والأمر كما يرى الجميع في حال الوزير "الفنان" فاروق حسني، الذي ارتبط عهده كوزير - بدءاً من 1987- بحريق قصر ثقافة بني سويف (2005) وحريق المسرح القومي (2008)، وقضايا الآثار الكبرى وتهريب الآثار للخارج، وسرقة المتحف الإسلامي والمتحف المصري ودار الكتب
على أن د. صدقي عاد بعد سنواتٍ طويلة ليتبرأ من اختياراته، إذ أكد -ربما نتيجة خلافاته مع وزير الثقافة- أنه لم يكن صاحب اختيار فاروق حسني لهذا المنصب بشكلٍ مباشر، وقال إنه كان قد وضع اسم فاروق حسني في الترتيب الرابع أو حتى الخامس بعد أسماء أخرى رشحها قبل أن يحسم الرئيس مبارك الأمر ويختار فاروق لهذا المنصب من بين البدائل المطروحة أمامه
وكان د. عاطف صدقي مولعاً بالاستفادة من قدامى البيروقراطيين، وهكذا استفاد من أحمد رضوان كوزير لشؤون مجلس الوزراء ومحمد فؤاد اسكندر كوزير دولة لشؤون الهجرة (1987) وموريس مكرم (1987) وزير دولة للتعاون الدولي. ولقد اختار د. صدقي لمنصب وزير الصحة د. علي عبد الفتاح المخزنجي (1993) عميد طب عين شمس السابق، وتربطهما معاً صلة نسب ومصاهرة. كما جاء أساتذة جامعة متقاعدون أو على وشك التقاعد إلى الوزارة، مثل د. فينيس كامل جودة وزيرة دولة للبحث العلمي (1993)، ود. ماهر مهران وزير دولة لشؤون السكان والأسرة (1993)
الشللية والصداقات التي تقود إلى مقعد الوزارة، لم تكن وليدة الأمس القريب.. وإنما البعيد أيضاً
من حقك أن تتساءل عن اختيار الوزراء: كيف ومن ولماذا؟
هذه التساؤلات تفرضها المفاجآت التي تصيب كثيرين كلما جرى الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة أو تعديل وزاري ما، لأنه في كلتا الحالتين تبرز على السطح أسماء جديدة قد تكون مجهولة بالنسبة إلى الجميع - حتى من يفترض أنهم يتابعون عن كثب التطورات المختلفة- أو قد تكون تلك الأسماء مثار جدل أو محل تحفظ لسببٍ أو لآخر
ولأن من حقنا أن نعرف إجابة شافية عن مثل هذه التساؤلات، فإن مصدرنا الوحيد في الإجابة حتى الآن، في ظل تراجع دور المواطن المصري في عملية صنع القرار -أو ضعف دوره لكي لا يغضب أحد- هو استقراء التاريخ ومراجعة الأحداث
وعملية البحث عن وزير تخضع لمجموعة من الاعتبارات سواء أكانت شخصية -هل نقول الاستلطاف؟- أو أمنية -التحقق من شخصية المرشح للوزارة من خلال الأجهزة الأمنية المعنية- أو سياسية أو اقتصادية - النشاط الواضح للمرشح، أو إمكان الاستفادة من خبراته في هذا الموقع للحاجة إلى مثل هذه الخبرات- وما إلى ذلك
ولكي نوضح ما نعنيه يمكن أن نشير إلى وقائع ربما تكون مفيدة في الكشف عن كيفية اختيار الوزراء في مصر
ولنبدأ من خط النهاية
ففي أحدث تعديل وزاري، ارتفعت أسهم هندسة القاهرة والمجلس القومي للطفولة والأمومة
وخروجاً على التقاليد التي جرت عند اختيار وزير الري طوال السنوات الماضية، جاء د. أحمد نظيف في 11 مارس آذار 2009 بوزير من خارج الوزارة، وهو د. محمد نصر الدين علام ابن هندسة القاهرة وأستاذ هندسة شبكات الري.. حيث اعتاد العاملون في الوزارة وقياداتها على تعيين وزير من داخل الوزارة وهو ما حدث مع د. عصام راضي ود. عبد الهادي راضي وأخيراً د. محمود أبو زيد
ونصر الدين أستاذ بهندسة القاهرة، التي تخرج فيها نظيف، وتردد أنهما ابنا دفعة واحدة. ومجموعة هندسة القاهرة باتت تشكل أبرز لوبي داخل الحكومة، حيث تضم د. نظيف ود. طارق كامل وزير الاتصالات ود. أحمد درويش وزير التنمية الإدارية ود. هاني هلال وزير التعليم العالي.. وبانضمام الوزير د. محمد نصر الدين علام وصل عدد أعضاء هذا اللوبي إلى 5 بينهم رئيس الوزراء
ويرجع اختيار د. نظيف للوزير الجديد إلى أنه من مجموعة هندسة القاهرة التي يرعاها، إلى جانب أنه متخصص في شبكات الري، وهو ما يناسب المشروع الجديد الذي يسعى رئيس الوزراء إلى تنفيذه وذلك بتحويل الري في أراضي الدلتا إلى الري بالتنقيط، بهدف إضافة 3 ملايين فدان إلى الرقعة الزراعية
ومن المجلس القومي للطفولة والأمومة الذي كانت تشغل منصب أمينه العام، جاءت مشيرة خطاب لتصبح وزيرة للأسرة والسكان في التغيير الوزاري المحدود الذي أتى بوزير الري د. محمد نصر الدين علام
مشيرة خطاب التي يرى البعض أنها تستمد قوتها من قربها من قرينة الرئيس المصري سوزان مبارك، لها حكاية مع الوزارة تعود إلى بضع سنوات. فقد كانت مرشحة لتولي وزارة الدولة للشؤون الخارجية في حكومة د. نظيف الأولى التي تشكلت في يوليو تموز 2004، غير أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط طلب بضم اختصاصات وزارة الشؤون الخارجية إلى وزارته، الأمر الذي أدى الى اتخاذ قرار إلغاء الوزارة برمتها. كما بذلت مشيرة خطاب جهوداً مكثفة بهدف ضم شقيقتها د. مديحة خطاب إلى الوزارة وذلك في التعديل الذي أجراه د. نظيف وجاء بحاتم الجبلي وزير الصحة في ديسمبر كانون أول 2005. وقتها استقبل د. نظيف ما يقرب من 8 شخصيات مرشحة لتولي المنصب وكان بينهم د. مديحة، إلا أن الأمر استقر في النهاية على د. الجبلي
ومنذ ذلك الحين بدأت مشيرة في التخطيط للوصول إلى كرسي الوزارة.. وكان كل هدفها هو تحقيق الحلم الذي كان وشيكاً معها ومع شقيقتها مديحة. ونجحت مشيرة في الوصول إلى كرسي الوزارة حتى لو كانت وزارة دولة ووزارة "فك وتركيب"
وقبل ذلك، هبت على الحكومة رياح رجال الأعمال
فعلى سبيل المثال، فإن حكومة د. نظيف الثانية ضمت كلاً من وزير السياحة زهير جرانة الذي يمتلك وأسرته شركة سياحة كبرى ومجموعة من الفنادق، ووزير النقل محمد لطفي منصور وهو وكيل عدة شركات أبرزها "جنرال موتورز" في مصر، ووزير الصحة حاتم الجبلي الذي يمتلك أكبر المستشفيات الاستثمارية في مصر "دار الفؤاد"، ووزير الزراعة أمين أباظة الذي يعد من أبرز مصدري القطن المصري، وظل رئيساً لاتحاد مصدري القطن حتى عام 2005
وفضلاً عن كونهم من رجال الأعمال البارزين، فإنهم أبناء أسر مصرية معروفة، كما أن بعضاً منهم أبناء لوزراء سابقين‏، فمثلاً وزير السياحة زهير جرانة، هو حفيد زهير جرانة باشا الوزير سابقاً في عهد الملك فاروق، ووزير الصحة حاتم الجبلي، هو ابن وزير الزراعة الأسبق مصطفى الجبلي، وأمين أباظة وزير الزراعة‏، هو سليل "الأسرة الأباظية" الشهيرة التي قدمت شخصيات مرموقة في السياسة والفن والأدب وهكذا ضمت حكومة د. نظيف الثانية أبناء ثماني عائلات عريقة، تأتي في مقدمتها عائلات أباظة ومحيي الدين (د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار) وغالي (د. يوسف بطرس غالي وزير المالية)

وانضم هؤلاء إلى وزيري الصناعة والتجارة (رشيد محمد رشيد) والإسكان (أحمد المغربي) والذي كان مسؤولاً عن حقيبة السياحة في التشكيل السابق. إذ شغل رشيد قبل دخوله الوزارة منصب المدير المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا وشمال إفريقيا في شركة يونيليفر العالمية التي تعمل في مجال الصناعات الغذائية والمنظفات
أما المغربي، الرئيس السابق لاتحاد الغرف السياحية، فقد وقع اختيار د. نظيف عليه لشغل منصب وزير السياحة في حكومته الأولى بعد تردد بسبب جنسيته المزدوجة، حيث يحمل الجنسيتين السعودية والمصرية. وفي حكومة د. نظيف الثانية اختير المغربي وزيراً للإسكان

وفي ظل تشابك المصالح وشبكة المصاهرة والقرابة، تبدو الصورة أكثر تعقيداً من مجرد الحديث عن رجال أعمال في مواقع السلطة

نتوقف هنا قليلاً لنشير إلى زواج ابنة رشيد محمد رشيد في عام 2006 من أمين، نجل رجل الأعمال السعودي البارز عاكف المغربي، وهو بالمناسبة شقيق المهندس أحمد المغربي. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن المغربي هو ابن خالة محمد لطفي منصور وزير النقل، وأن الأمر لا يقتصر على صلة القرابة، وإنما تجاوزه ليصل إلى الشراكة في الكيان الضخم "المنصور والمغربي"، الذي يجمع سلسلة شركات في مجالات كثيرة

وهكذا تصبح السلطة شركة عائلية بامتياز
ويمكن القول إن اختيار الوزراء في مصر يخضع لعوامل مختلفة ويأتي من مصادر متباينة، فقد اختير وزراء من الرجال الثواني في وزاراتهم، مثلما حدث مع د. طارق كامل وزير الاتصالات والمعلومات في حكومة نظيف. إذ كان د. كامل الأقرب للدكتور نظيف - قبل توليه رئاسة الوزارة- بين مستشاريه، وهو رجل المهام الصعبة، ودائماً ما كان يكلفه د. نظيف حينما كان وزيراً للاتصالات والمعلومات للمشاركة في المؤتمرات والمحافل الدولية نيابة عنه
د. كمال الجنزوري كان مديراً لمعهد التخطيط القومي قبل أن يصبح وزيراً للتخطيط في حكومة فؤاد محيي الدين الأولى. وصفوت الشريف كان رئيساً لاتحاد الإذاعة والتليفزيون قبل أن يصبح وزيراً للإعلام من ١٩٨٣ وحتى ٢٠٠٤، وحسن أبو باشا كان الرجل الأبرز في وزارة الداخلية بعد الوزير الشهير النبوي إسماعيل، فأصبح وزيراً للداخلية
بعد ثلاثة أشهر تكرر الأسلوب نفسه، فاختير الشيخ إبراهيم الدسوقي أقدم وكلاء وزارة الأوقاف ليصبح وزيراً للأوقاف. وفي يوليو تموز 1984 اختير رئيس هيئة البترول عبد الهادي قنديل ليكون وزيراً للبترول، واختير أحمد رشدي للداخلية
كذلك في مارس آذار 1985 أصبح د. سلطان أبو علي - نائب رئيس هيئة الاستثمار والشخص الثاني بروتوكولياً في وزارة الاقتصاد- لحقيبة الاقتصاد، وهو الوزير الذي نال فيما بعد جائزة "الملعقة الخشبية" الدولية التي تمنح لأسوأ وزير اقتصاد في العالم!
وفي سبتمبر أيلول 1985 أصبح منصور حسين نائب وزير التربية والتعليم وزيراً للتربية، وفي 20 مايو أيار 1991 جاء حمدي البنبي وزيراً للبترول، وكان قد تولى قبل الوزارة رئاسة الهيئة المصرية العامة للبترول لمدة ثلاث سنوات. وبشكل عام، فإن عدداً من وزراء البترول في مصر كانوا من أبرز رجالات الوزارة قبل أن تُسنَد إليهم حقيبة البترول. ومن هؤلاء المهندس علي والي، الذي شغل منصب أول رئيس لمجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للبترول في عام 1968، قبل أن يتم تعيينه وزير دولة لشؤون البترول والثروة المعدنية في مايو أيار 1971
المهندس أحمد عز الدين هلال، شغل منصب رئيس المؤسسة العامة للبترول للتكرير (هيئة البترول حالياً) في 4 أكتوبر تشرين أول 1971، قبل أن يتولى أول وزارة مستقلة للبترول في مصر في أواخر مارس آذار 1973 أما الكيميائي عبد الهادي قنديل، فقد تم تعيينه رئيساً لهيئة البترول في أكتوبر تشرين أول 1980 واستمر في الاحتفاظ برئاسته للهيئة بعد أن عين وزيراً للبترول في عام 1984 وحتى مايو أيار 1991
وفي يناير كانون ثانٍ 1996 اختير ظافر البشري - نائب د. الجنزوري- ليصبح وزير الدولة للتخطيط قبل الأخير. وفي نوفمبر تشرين ثانٍ 1997 كان حبيب العادلي تطبيقاً آخر لقاعدة الرجل الثاني، إذ اختير وزيراً للداخلية بعد استبعاد الوزير حسن الألفي. الأمر نفسه تكرر مع د. مختار خطاب الذي اختير ضمن حكومة د. عاطف عبيد في أكتوبر تشرين أول 1999

غير أن كبار التكنوقراط في الوزارات كان لهم نصيبٌ أيضاً في تذوق طعم المنصب الوزاري
وهؤلاء لم يشغلوا موقع الرجل الثاني في الوزارة على وجه التحديد، لكن قطار المنصب الوزاري توقف عند محطتهم. ومن الأسماء التي تضمها تلك القائمة وأوردها د. محمد الجوادي في عدد من كتبه وأبرزها "البنيان الوزاري في مصر (1878-2000)" نجد وزيري الأشغال د. محمود أبوزيد ود. عبد الهادي راضي، ووزير الصحة د. محمد راغب دويدار، والأخير كان يشغل منصب رئيس هيئة التأمين الصحي قبل توليه الوزارة
أما د. عبد الهادي راضي، الذي عمل مديراً فنياً لمكاتب ثلاثة من وزراء الأشغال السابقين هم عبد العظيم أبو العطا وعبد الهادي سماحة وعصام راضي، فقد أبلغته رئاسة الجمهورية بضرورة عدم مغادرة البلاد لمدة خمسة أيام. وأثناء تشكيل د. الجنزوري للحكومة في مطلع يناير كانون ثانٍ 1996 قال للوزير د. راضي: أنت الوحيد الذي لم نختر له بديلاً، بل لم نفكر في بديل لك لثقتنا فيك
وبعد وفاة د. عبد الهادي راضي إثر معاناة طويلة مع المرض، اختير د. محمود أبو زيد ليخلفه في المنصب. ود. أبو زيد واحد من أبرز العلماء على المستوى الدولي في مجال بحوث المياه والسياسات المائية، وكان يشغل قبل دخوله الوزارة منصب رئيس المركز القومي للبحوث المائية، واختاره د. كمال الجنزوري للمنصب في 8 يوليو تموز 1997. وكان من مقومات اختياره دراسة أعدها حول مشروع توشكى الذي تبناه الجنزوري
عنصر المفاجأة هو السمة الأساسية في اختيار الرئيس المصري حسني مبارك لرؤساء الحكومات، وهو ما حدث مثلاً مع د. علي لطفي (1985)، وتجسد في اختيار د. عاطف صدقي (1986) إذ ظل اسمه سراً لا يعلمه أحد حتى لحظة الإعلان عنه رسمياً، وبقي بعيداً حينئذ عن دائرة التوقعات، ثم تكرر الأمر مع د. كمال الجنزوري (1996)، وأخيراً د.عاطف عبيد (1999) أو "البيه عاطف الصغير" كما كان يصوره كاريكاتير كفر الهنادوة في جريدة "أخبار اليوم"، على اعتبار أن د. صدقي هو "البيه عاطف الكبير". وفوجىء كثيرون باختيار وزير الاتصالات والمعلومات د. أحمد نظيف (2004) رئيساً للحكومة، إذ كانت التوقعات تصب في خانة اختيار وزير اقتصادي قبل أن تؤول رئاسة الحكومة إلى رجل تكنولوجيا المعلومات
بعيداً عن المفاجآت، يلجأ مبارك إلى طريقة أخرى لاختيار الوزراء


الخميس، 1 أكتوبر 2009

علاقات سياسية مشبوهة !!

نوح راح لحاله والطوفان استمر..مركبنا تايهة لسه مش لاقية بر..آه م الطوفان وآهين يا بر الأمان..إزاي تبان والدنيا غرقانة شر..عجبي صلاح جاهين


بقلم : مصطفي سطوحى









علاقة سعد الدين أبراهيم مدير مركز أبن خالدون بالاخوان وأخري بأيمن نور والاخيرة بعداوةُ النظام المصري


عندما تحدث عن زوجته ُ قال "العيب الوحيد لبركة أنها بدأت تعاملنى مؤخراً كمواطن درجة خامسة"

ولما تحدث عن نور قال " أنه قادر على التغيير الفعلى، لأن النظام، بكل ما كاله إليه من تهم ملفقة، لم ينل إلا من صحته" .



حكاية د‏.‏ سعد الدين إبراهيم والإخوان عمـرها ربع قرن.


يعيش سعد الدين ابراهيم فى المنفى منذ عامين، متنقلاً بين الولايات المتحدة وقطر وإسطنبول (بلاد لم توقع على معاهدة تسليم المتهمين)، وحالياً يعمل أستاذاً زائراً فى جامعة هارفارد، ويحاول الاتصال بالأهل والشباب والرأى العام فى مصر من خلال مقالاته، الأسبوعية فى صحيفة «المصرى اليوم»، والشهرية فى صحيفة «الدستور».

أيضاً مازالت تتوالي أصداء مقال د‏.‏ سعدالدين إبراهيم‏,‏ مدير مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية في جريدة الواشنطن بوست والذي نوه خلاله إلي دعوته للإدارة الأمريكية لإقامة علاقات مع بعض التيارات الإسلامية مثل حركة حماس وحزب الله وجماعة الإخوان المسلمين المحظورة تتواصل‏,‏ ويبدو أنه فتح الباب أمام مناقشات ساخنة حول دعوته للحوار بين الإخوان ( المحظورة) والأمريكان‏,‏ ولكن ما هي حكاية د‏.‏ سعدالدين إبراهيم والإخوان ؟‏!‏

الإجابة تأتي علي لسان د‏.‏ سعدالدين إبراهيم الذي يقول إن حكايتي مع الإخوان المسلمين بسيطة‏,‏ وهي باختصار تنحصر في الجملة الشهيرة لو حب أحد يشوفني ويقعد ويتكلم معايا‏..‏ فأهلا وسهلا به أيا كان‏..‏ فأنا أري وأتعامل مع ناشطي المجتمع المدني وأتعامل مع إسرائيليين‏..‏ وإللي يشوف إسرائيليين‏..‏ مش هيشوف إخوان‏..‏ فأنا صاحب دعوة للحوار والديمقراطية‏..‏ ولكني أؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين ليست في حاجة إلي توسطي لدي الأمريكان حتي يجروا حوارا معهم‏..‏ ولا الأمريكان في حاجة لتوسطي لدي الإخوان‏..‏ وأعتقد أن الإخوان جاهزون للحوار‏..‏ وقد قمت بعمل حوار ولقاء غير رسمي من قبل بين الإخوان المسلمين والاتحاد الأوروبي في النادي السويسري‏,‏ وشارك فيه عناصر من المحظورة وجماعات إسلامية أخري وبين عدد من الدول الإسكندنافية وسويسرا وإنجلترا وألمانيا وكندا ولم تشارك الولايات المتحدة‏,‏ وأن ذلك كان علي مستوي الوزراء المفوضين لأنهم كانت لديهم شكوك وضعوها علي المائدة أمام الإسلاميين بكل فصائلهم‏...‏ وأشار د‏.‏ سعد الدين إبراهيم إلي أن علاقته مع الإخوان المسلمين قديمة منذ أن كان باحثا صغيرا‏,‏ وقال‏:‏ عندما كنت باحثا صغيرا اطلعت علي أفكار الإخوان وتناقشت معهم في كل القضايا بدءا من الحاكمية وموقفهم من المرأة والأقباط والديمقراطية إلي حرية التعبير مرورا بالشريعة ثم تحاورت معهم منذ‏25‏ عاما أثناء وجودي في السجن مع عدد من قياداتهم مثل مختار نوح ود‏.‏ محمد حبيب وعصام العريان‏.‏

د‏.‏ سعد الدين إبراهيم ركز علي أن المجتمع المصري كان في السابق لا يستوعب الديمقراطية فكانوا يتهمون بعضهم بالخيانة‏,‏ أو يكفر بعضهم بعضا‏,‏ وقال‏:‏ كنا في السابق نري الناصريين يتهمون معارضيهم بالخيانة‏,‏ والإخوان يكفرون معارضيهم ومن يختلف معهم‏,‏ أما الآن فقد تغيرت الصورة إلي حد ما ـ علي حد وصفه ـ فقد غير الإخوان أفكارهم وأصبحوا يتحدثون الآن عن الديمقراطية وتداول السلطة‏,‏ وهذا لم يكن له وجود في السابق‏,‏ وإذا وجدت أنهم مازالوا يمنعون المرأة من العمل ويتشددون تجاه حقوقها‏,‏ ويرفضون ويدعون للعنف سأقف ضدهم‏,‏ لأنني رجل ديمقراطي تعددي أؤمن بحق كل الفئات والتيارات السياسية في المشاركة والحوار‏,‏ وليس لدي عقد فالمصريون لديهم عقدة الأمريكان‏,‏ والحكومة المصرية لديها عقدة الإخوان وأنا أجندتي معروفة‏,‏ وأريد ديمقراطية وحوار وحقوق الإنسان‏.‏

علي عبدالفتاح القيادي بالجماعة المحظورة‏,‏ يأخذ زمام الحديث قائلا‏:‏ إن الجماعة دائما ترفض الضغوط الخارجية وبخاصة الضغوط الأمريكية علي مصر‏,‏ والتي حدثت أثناء سجن د‏.‏ سعدالدين إبراهيم‏,‏ والمطالبة من جانبهم بالإفراج عنه‏,‏ وإما وقف وقطع المعونة‏,‏ وحينما تستخدم الإدارة الأمريكية ورقة الحريات في مصر للضغط علي النظام المصري‏,‏ فنحن نرفض ذلك‏,‏ وقد حدث ذلك في قضية د‏.‏ سعدالدين إبراهيم‏,‏ أما عن علاقة الجماعة بالدكتور سعدالدين إبراهيم‏,‏ فنحن نتفق ونختلف معه أيضا‏,‏ وله آراء ونحن نحترمها‏,‏ وهي دعوته للحوار بيننا وبين الإدارة الأمريكية وإذا كنا نؤكد علي الدوام أن أي حوار مع الإدارة الأمريكية لابد وأن يتم في ظل وجود مندوب من وزارة الخارجية المصرية‏.‏

وشدد علي عبدالفتاح‏,‏ علي أن أمريكا لا تريد حوارا إيجابيا مع الإخوان‏,‏ لأننا سنطالب بتطبيق الحرية كاملة والديمقراطية الصحيحة ـ علي حد قوله ـ وهو ما سترفضه الإدارة الأمريكية التي لا تريد حريات حقيقية في مصر‏,‏ وأيضا الحوارمع الأمريكان الذي يدعو له د‏.‏ سعدالدين إبراهيم لن يتم مادام هناك احتلال للعراق والكيل بمكيالين في قضايا فلسطين ولبنان‏.‏



كما أكد سعد الدين أبراهيم علاقتهُ بأيمن نور قائلاً "أتمنى لاْيمن نورالخير، وأنا أرى أنه قادر على التغيير الفعلى، لأن النظام، بكل ما كاله إليه من تهم ملفقة، لم ينل إلا من صحته، كما أتمنى له ولجميلة أن يتفقا على خير أو يفترقا بإحسان، لأن مصر تحتاج إليهما كمواطنين صالحين.





وايضاً تحدث عن زوجتهُ قائلاً " زوجتى «بركة» تمسكت بأن تعيش فى مصر حتى بعد مغادرتى البلاد بعد الأحكام التى صدرت ضدى، لأنها تعشقها ربما أكثر من المصريين أنفسهم، ورغم أنها أمريكية الأصل، إلا أنها تعتبر نفسها مصرية خالصة، وتعيش فيها منذ أكثر من 40 عاماً، أنجبنا خلالها أبناء وأصبح لنا أحفاد، قبل أن تقرر تغيير ديانتها التى كانت تعتنقها من المسيحية إلى الإسلام، بملء إرادتها الحرة وعن قناعة شديدة، دون أى ضغط من جانبى، وبالمناسبة، عندما أسلمت اختارت لها أمى اسم بركة، لأنه كان الأقرب على لسانها لاسمها الحقيقى باربرا.

العيب الوحيد لبركة أنها بدأت تعاملنى مؤخراً كمواطن درجة خامسة، فكل حفيد جديد لنا من أولادنا، يخفض منزلتى وحبى عندها، حتى وصلت الآن إلى الدرجة الخامسة.



وعن ادارته للمركز من خارج مصر أكد " المركز يدير نفسه ذاتياً، فهناك اجتماع أسبوعى بين الباحثين، الذين يعمل بعضهم به كموظفين مقابل رواتب ثابتة، فى حين يعمل البعض الآخر متطوعاً، وعندما تسوء الأحوال المادية يقبلون جميعاً تخفيض أجورهم، مراعاة للوضع، ولكن رغم كل التضييق والحصار الذى تفرضه الدولة على المركز، فإنه مازال قائماً، والشباب مازالوا صامدين.

وبالنسبة للاحوال الماديه عندما يقوم الباحثون بإجراء دراسات تطلب منهم، حيث يتلقون أمولاً مقابلها، ونحن نعلن عن هذه الأبحاث منذ 20 عاما فى تقريرنا السنوى، والذى لولاه لما كان أحد قد عرف بنشاطنا، فعندما أثارت الحكومة ضدى قضية تلقى أموال من الخارج، استندت إلى تلك المعلومات، التى وردت أساسا فى تقريرنا الذى ننشره، فكيف ننشره بأنفسنا لو كان يتضمن نشاطا مشبوها












الخاسر الأكبر في «موقعة» اليونسكو!!

على مدى أكثر من عشرين عاما قضاها فاروق حسني وزيراً للثقافة في مصر، كان طبيعيا أن تختلف الآراء حوله وأن ينقسم المثقفون بين مؤيدين ومعارضين لسياساته ومواقفه، خاصة انه تولى منصبه في فترة صعبة شهدت امتداداً للأفكار المتطرفة وفتاوى تحريم الفنون.

كما شهدت موجات من التراجع في ميادين أساسية كالسينما والمسرح قبل أن يتجاوزها الفنانون المصريون في السنوات الأخيرة ويستعيدون أرضاً فقدها المسرح الجاد طويلاً، ويتخطون أزمة السينما إلى الحد الذي يتحول فيه مهرجان عالمي مثل مهرجان فينسيا إلى مظاهرة للسينما المصرية التي عرضت داخل فعاليات المهرجان الرسمية ثلاثة أفلام مرة واحدة.

كما شهدت هذه السنوات انجازات عديدة في مجال الآثار والترجمة وكوارث بحجم حريق مسرح بني سويف وخلافات ودعاوى قضائية حول حرية الفكر وجوائز الدولة .

لكن.. وسط كل هذه الخلافات الطبيعية بين المثقفين والمواقف المتباينة كان هناك موقف واحد لا خلاف عليه، وهو الموقف الذي التزمت فيه وزارة الثقافة بالموقف الذي اجمع عليه المثقفون المصريون من رفض التطبيع مع إسرائيل رغم كل المحاولات والضغوط.

ولهذا لم تكن هناك مفاجأة أن تعارض إسرائيل ترشيح فاروق حسني مديرا لمنظمة اليونسكو، وأن يشن اللوبي الصهيوني في أميركا وأوروبا حملة شعواء عليه، ولم يكن غريبا أن تستمر هذه الحملة حتى بعد أن تدخلت الإدارة المصرية وبعد أن أعلنت إسرائيل وقف الحملة «الرسمية» على المرشح المصري.

مكتفية بالحملة التي لا تهدأ من جانب اللوبي الصهيوني والتي استغلت تصريحاً للوزير المصري في رده على احد نواب مجلس الشعب الذي قال إن هناك كتباً لمؤلفين يهود في مكتبة الإسكندرية تهاجم الإسلام هجوماً مقذعاً، ورد الوزير بأن مثل هذه الكتب غير موجودة، ولو جاءه النائب بها فسيحرقها بنفسه.

وقد حاول الوزير أن يشرح موقفه ولكن الحملة اليهودية تصاعدت. وقدم الوزير اعتذاراً عن الواقعة التي أسييء تأويلها ولكن ذلك لم يوقف الحملة عليه، واتخذ الوزير خطوات اعترض عليها العديد من المثقفين الذين اعتبروها تراجعاً عن الموقف المبدئي من الرفض القاطع للتطبيع مع إسرائيل .

ولم يكن كل ذلك كفيلاً بمنع تصاعد الحملة عليه من اللوبي اليهودي باعتباره «عدواً للسامية وحارقاً للكتب ومعادياً للحريات (!!)»

ولم يكن كل ذلك إلا ستاراً لحقيقة واحدة وهي انه لا اللوبي الصهيوني ولا إسرائيل مستعدون للتسامح في قضية التطبيع .

والرسالة هنا لا تقتصر على فاروق حسني، فإسرائيل أول من يعلم انه حين انحاز لموقف المثقفين المصريين في رفض التطبيع لم يكن يصدر عن موقف شخصي فقط، بل كان يمثل سياسة دولة، وحين تكون هناك فرصة للرد فلا يمكن ان تتركها إسرائيل ولا أن يتهاون في انتهازها اللوبي الصهيوني .

مفهوم أن تقف إسرائيل ضد وجود شخصية عربية على رأس اليونسكو، ومفهوم أيضاً أن تقف الإدارة الأميركية السابقة في عهد بوش نفس الموقف، في ظل سياسة كانت تعادي العرب والمسلمين وتنحاز بالكامل لإسرائيل وتحاول الضغط على مصر ومحاصرة دورها.

لكن غير المفهوم هو موقف الإدارة الأميركية الجديدة .. فبعد كل الجهود التي يبذلها الرئيس الأميركي من أجل تحسين العلاقات بين بلاده وبين العالمين العربي والإسلامي، وبعد أن اختار القاهرة ليوجه منها رسالته التصالحية في اعتراف بدور مصر ومكانتها..

ها هي الإدارة الأميركية الجديدة تتخذ نفس الموقف الذي اتخذته إدارة بوش في معركة اليونسكو، وبدلاً من ان تنتهز فرصة وجود مرشح تتوافق عليه الدول العربية والإسلامية والإفريقية وتمنحه بعض دول أوروبا الأساسية مثل ايطاليا واسبانيا تأييدها رغم وجود أكثر من مرشح أوروبي..

بدلاً من أن تنتهز الفرصة لتجسد التغيير في السياسة الأميركية إذا بها تمارس كل الضغوط الممكنة على الدول الأعضاء في اليونسكو، ويبلغ الأمر بالسفير الجديد الذي اختارته إدارة أوباما للمنظمة العالمية أن يلجأ للتهديد والوعيد مع الإغراءات والرشاوى لمحاربة المرشح المصري .

ومهما كانت الأسباب التي تسوقها إدارة أوباما لهذا الموقف، فإن مصداقية الرئيس الأميركي وحديثه عن سياسة جديدة تنهي العداء والكراهية مع العالمين العربي والإسلامي قد تضررت كثيراً، والانحناء أمام النفوذ الصهيوني لابد أن يترك آثاره خاصة ان الإدارة الأميركية كان يمكنها أن تكتفي بموقف محايد بدلاً من أن تقاتل المعركة ضد المرشح المصري وكأنها معركتها هي.

وكأنها تريد أن تعيد إلى الذاكرة موقف سابق وقفته الإدارة الأميركية ( الديمقراطية يومها أيضا) من إعادة ترشيح الدكتور بطرس غالي أميناً للأمم المتحدة لولاية ثانية عقاباً له على تقريره عن مذبحة قانا الذي أدان فيه إسرائيل إدانة كاملة .

دائما إسرائيل، ومعها الفيتو الأميركي. حتى ولو كان ذلك ضد المصالح الأميركية نفسها، وحتى لو كان الرئيس الأميركي يسعى للمصالحة مع العرب والمسلمين . وأيا كانت نتائج المعركة حول اليونسكو فإن الخاسر الأساسي فيها لن يكون هذا المرشح أو ذاك، بل سيكون هو الإدارة الأميركية التي رفعت شعارات المصالحة ثم قادت الحملة عليها حتى لا تتحول إلى واقع !!