تزوجت ابنة رشيد محمد رشيدوزير التجارة والصناعة عام 2006 من أمين، نجل رجل الأعمال السعودي البارز عاكف المغربي، وهو بالمناسبة شقيق المهندس أحمد المغربي ,وزير الاسكان ولا يفوتنا ايضاً علمنا بأن المغربي هو ابن خالة محمد لطفي منصور وزير النقل، وأن الأمر لا يقتصر على صلة القرابة، وإنما تجاوزه ليصل إلى الشراكة في الكيان الضخم "المنصور والمغربي"، الذي يجمع سلسلة شركات في مجالات كثيرة
سلسال الوزراء في مصر بين الماضي القريب والمستقبل المرتقب وكيف يتم تعيين
الوزير؟!
من حقك أن تتساءل عن اختيار الوزراء: كيف ومن ولماذا
كان أحد أحلام الرئيس جمال عبد الناصر هو اختيار امرأة لشغل منصب وزيرة
يقول الكاتب الصحفي مصطفى أمين: "في عام 1960 قلت للرئيس جمال عبد الناصر إنني أرى أن مجلس الأمة يحترم العضوتين وأن الوقت ملائم لكي نعين وزيرة وبهذا تكون مصر هي أول دولة عربية تعين وزيرة، ودارت بيننا مناقشة اقتنع في نهايتها بفكرتي
وفجأة دخل المشير عبد الحكيم عامر فقال لي الرئيس:
قل له على فكرتك عن المرأة!
فهب عبد الحكيم عامر واقفاً وخلع حزام بذلته العسكرية وحلف بالطلاق قائلاً: "عليّ الطلاق بالثلاثة لو ست دخلت مجلس الوزراء لأخرج أنا منه"!
ويقول مصطفى أمين: وماتت الفكرة، وبعد عامٍ أو اثنين كلمني الرئيس تليفونياً وقال لي إن عبد الحكيم عامر سوف يعين نائباً للقائد الأعلى وسيتولى وزارة الحربية شخصٌ آخر، وما دام قد خرج من الوزارة فهي فرصة لتعيين وزيرة، وقال لي عبد الناصر: عندكم في أخبار اليوم أحسن أرشيف، فاختر لي أحسن 10 نساء في مصر وأرسل لي صورهن وتاريخ حياتهن
وفعلاً نزلت الأرشيف واخترت عشراً، بينهن أمينة السعيد وكريمة السعيد وفاطمة عنان المفتشة في وزارة المعارف وعائشة راتب وكانت وقتها أستاذة في الجامعة، واقترحت أن تعين أم كلثوم وزيرة للثقافة والفنون الجميلة، واخترت أيضاً عزيزة أحمد حسين، وكانت آخر سيدة في القائمة حكمت أبو زيد، وأرسلت للرئيس الصور ولم يرد عليّ
وبعد فترة تألفت الوزارة، وفوجئت بأن حكمت أبو زيد عُينت وزيرة رغم أنها رقم 10 بين السيدات اللاتي أرسلت أسماءهن للرئيس، فاتصلت به وسألته:
لماذا اخترت حكمت أبو زيد؟
فقال: "لأنها أوحش واحدة"
(رشاد كامل، حياة المشير عبد الحكيم عامر، دار الخيّال، القاهرة، 2002، ص 139-140)
وهكذا شاءت تصاريف القدر أن تصبح ابنة قرية الشيخ داود بالقوصية محافظة أسيوط، أول وزيرة عربية
شعورٌ بالاستغراب والدهشة سيطر على أستاذة القانون الدولي د. عائشة راتب حين نشرت الصحف المصرية في صفحتها الأولى في 12 نوفمبر تشرين ثانٍ ١٩٧١ خبر تعيين د. عائشة - والتي كانت آنذاك في الثالثة والأربعين من العمر- وزيرة للشؤون الاجتماعية
ففي أعقاب انتخابها لعضوية اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي شاركت في المؤتمر العام وكان النقاش دائراً حول الدستور. ولأنها كانت قانونية فقد ذهبت لزملائها في الكلية وسألتهم عن اعتراضاتهم على مواد الدستور، وجمعت آراءهم. كان النقاش حول اختصاصات رئيس الجمهورية حين اعترضت د. عائشة راتب على توسيع اختصاصات رئيس الجمهورية وظلت تقول "لا يجوز" و"لا يليق" وفق ما هو مدون في محاضر الجلسة الرسمية. استمرت الجلسة ثلاث ساعات وهي مصرة على الرفض فأرسل لها البعض ورقة وقالوا لها فيها "ارحمينا يا دكتورة عائشة"
تقول د. عائشة راتب: "وكان الرئيس أنور السادات موجوداً في الجلسة في الطابق العلوي إذ كان يرأس اجتماعات اللجنة المركزية وقتها، وقد سمعت بعد ذلك منه شخصياً في اجتماع لجنة السياسات واللجنة الوزارية أنه قال للوزراء "إنتو عارفين أنا جبت الدكتورة عائشة وزيرة ليه؟ لأنها في اللجنة المركزية وأنا موجود جلست تناقش اختصاصات رئيس الجمهورية، فقررت تعيينها وزيرة"
أما عن معرفتها بالخبر، فقد أخبروها في المنزل أن مكتب وزير الداخلية اتصل بها، وكانت وقتها تلقي محاضرة في المؤتمر العمالي التابع لجامعة الدول العربية، وكانت في المحاضرات تنتقد رفض العرب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٤٧ الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين إسرائيلية وأخرى فلسطينية، وترى أنه لو قبل العرب ذلك لاختلف الوضع. اعتقدت د. عائشة راتب أن الحكومة لم يعجبها كلامها فاستدعتها. وذهبت إلى ممدوح سالم وكان وزيراً للداخلية، فأخبرها بضرورة الذهاب إلى مجلس الوزراء، فذهبت وقابلت د. محمود فوزي الذي قال لها: "يا دكتورة نحن يسعدنا ويشرفنا أن تكوني وزيرة معنا"، فقالت: "وزيرة إيه؟"، قال: شؤون اجتماعية، قالت: "أنا أستاذة قانون، مالي ومال الشؤون الاجتماعية"! فقال "الشؤون الاجتماعية كلها قوانين ونحن نريدك لذلك"
اشترطت د. عائشة راتب أن تكمل العام الدراسي مع الطلبة وأن ترجع للكلية بعد خروجها من الوزارة. وفي حجرة الوزراء جاءها صوت د. محمد حافظ سالم من آخر الغرفة يقول: "كمان بتتشرطي"، فقالت: "أنا لا أشترط إنما لابد أن أنهي التزاماتي تجاه الطلبة". بعد ذلك حلفت اليمين أمام الرئيس وأصبحت ثاني وزيرة للشؤون الاجتماعية في مصر (عائشة راتب وزيرة الشؤون الاجتماعية والتأمينات في السبعينيات لـ "المصري اليوم": السادات سيدخل الجنة "حدف".. ومصر كلها مديونة لي، جريدة "المصري اليوم"، 4 سبتمبر 2008)
صداقات رفاق السلاح منحت فرصة للضباط الأحرار كي يستوزروا
فقد أصبح المشير عبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادي وحسين الشافعي وزراء للحربية أثناء عهد الثورة
وحين تشكلت برئاسة علي ماهر الوزارة الأولى في عهد الثورة، والتي تحمل الرقم 70 في تاريخ مصر الحديث، تولى رئيس الوزراء في هذه الوزارة ثلاث وزارات بالإضافة إلى منصب رئيس الحكومة، في حين تولى مدير مكتبه وصديقه الحميم إبراهيم عبد الوهاب وزارتين، وبقيت الوزارة الخامسة عشرة في تلك الحكومة وهي وزارة المواصلات بلا وزير، ثم عُيِنَ لها بعد أسبوع وزير تولاها لمدة يوم أو يومين بصفة شكلية حتى يكون مؤهلاً لمنصب أعلى، وهو رشاد مهنا مرشح الضباط الأحرار لعضوية مجلس الوصاية
وفي الوزارة التالية، وهي وزارة الرئيس محمد نجيب الأولى، تولى فتحي رضوان منصب وزير الدولة، وسرعان ما أنشئت وزارة الإرشاد القومي. ويذهب البعض إلى القول بأن هذه الوزارة أسست لفتحي رضوان أو أنه أسسها هو بنفسه، خاصة أنه كان على علاقة قوية بمجلس قيادة الثورة وبالذات جمال عبد الناصر، مثلما كانت الحال بالنسبة للرئيس أنور السادات وكل من سيد مرعي وعثمان أحمد عثمان اللذين ارتبط بهما السادات بعلاقات مصاهرة
ويروي فتحي رضوان لضياء الدين بيبرس كيف أنه لم يمض 24 ساعة على الاجتماع الذي عقده قادة الثورة للتعارف معه والاستماع إلى آرائه حتى فوجىء باختياره عضواً في الوزارة الجديدة. بل إنه يؤكد أنه في ذلك اليوم اعتذر عن عدم دخول الوزارة أكثر من 20 مرشحاً، منهم محمود محمد محمود ومريت غالي وإبراهيم بيومي مدكور وحامد سليمان وحفني محمود. وكانت طريقة الاستدعاء لدخول الوزارة في بعض الأحيان من أسباب الاعتذار عن عدم دخولها. فعلى سبيل المثال، حفني محمود كان مسافراً إلى الإسكندرية في الطريق الصحراوي، فلحقت به سيارة جيب من سيارات الشرطة العسكرية وأعادته إلى القاهرة من دون أن تقدم له سبباً واضحاً؛ لأن قائد الحملة نفسه لم يكن يعلم السبب. وبهذه الطريقة دخل حفني محمود مجلس قيادة الثورة وهو يظن أنه مطلوب للاعتقال، فلما عرف أنه مرشحٌ للوزارة اعتذر في الحال (ضياء الدين بيبرس، فتحي رضوان يروي أسرار حكومة يوليو، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1967)
ويشير فتحي رضوان إلى أنه هو الذي أقنع عبد الناصر باختيار الشيخ أحمد حسن الباقوري كمرشحٍ للإخوان المسلمين وزيراً للأوقاف، في حين كان عبد الناصر يميل إلى اختيار مرشحٍ إخواني آخر هو حسن العشماوي. أما مسوغات اختيار الباقوري فيرويها فتحي رضوان كالتالي: "فقلت له "عبد الناصر" مبرراً ترشيحي.أنا عاوز في الوزارة دي "عمامة" وعاوزها على رأس شاب. والشيخ الباقوري خطيب ووسيم، ودخل السجن وقاسى أهوال المعتقل، فهو صورة للأزهري غير الصورة المعروفة عنه للناس"
ويحكي عثمان أحمد عثمان في مذكراته عن استدعاء الرئيس أنور السادات له في أكتوبر تشرين أول 1973. في بادىء الأمر، لم يكن عثمان يعرف الغرض من المقابلة التي استمرت ساعة ونصف الساعة كاملة، تحدث السادات فيها عن تصوراته لإعادة المياه إلى منطقة القناة..إلى أن يقول مؤلف الكتاب: "قال لي الرئيس هيا يا عثمان. تصورت أن المقابلة قد انتهت، فقلت: أتركك بخير يا سيادة الرئيس، قال إنه أصدر قراراً بتعييني وزيراً للتعمير. وكانت مفاجأة أخرى بالنسبة لي، مفاجأة سعيدة لا أتمناها، لذلك قلت: إنني أستطيع أن أقوم بهذا الدور على أحسن ما يكون.. وأنا خارج الوزارة يا سيادة الرئيس. وقال: إن تعمير القناة يحتاج إلى وزير
(عثمان أحمد عثمان، صفحات من تجربتي، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1981)
في تلك المقابلة، قال له السادات أيضاً: "عثمان، أنا عاوزك وزير تعمير عشان أضمن إن كل حاجة تمشي مضبوط"
وعندما سأل السادات عن مصور الرئاسة لكي يلتقط صور حلف عثمان أحمد عثمان لليمين الدستورية، تبين أنه ذهب إلى منزله..في حين لم يكن فوزي عبد الحافظ سكرتير السادات، وحسن كامل رئيس الديوان، على علمٍ بالمقابلة التي يبدو أنها فكرة خطرت على ذهن السادات فجأة. وهكذا تم استدعاء المصور فوراً، ليؤدي عثمان اليمين الدستورية وهو يشعر بحجم المفاجأة وهكذا اختير عثمان وزيراً للتعمير في حكومة د. عبد القادر حاتم في 28 أكتوبر تشرين أول 1973، ليظل في الوزارة لمدة ثلاث سنوات عاصر أثناءها ثلاث حكومات متعاقبة. فقد اختير وزيراً للإسكان والتعمير في حكومة د. عبد العزيز حجازي في 26 سبتمبر أيلول 1974، ثم احتفظ بالحقيبة الوزارية نفسها في حكومة ممدوح سالم في 16 إبريل نيسان 1975، إلى أن خرج من الوزارة في نوفمبر تشرين ثانٍ 1976وحكاية عثمان مع السادات تبدأ عندما كان الاثنان يسكنان متجاورين في منطقة الهرم قبل ثورة يوليو 1952، ومن ثم تعارفا وتوطدت العلاقة بينهما لتصبح في فترة من الفترات أشبه بالتوأمة. ويؤكد عثمان أنه كان بينه وبين السادات نوع من "التوافق النفسي"، فقد كانا جارين وبينهما "عِشرة عمر"
يقول عثمان: "عندما أُعلِنَت أسماء وأعضاء مجلس قيادة الثورة لم أجد في الأسماء من أعرفه إلا محمد أنور السادات الذي عاش خلال مراحله الأولى فترة في الإسماعيلية، ثم رأيته في بورسعيد عقب العدوان الثلاثي عام 1956. وكنت قد حضرت من السعودية خصيصاً لكي تشارك شركتي في تعمير بورسعيد، وذهبت أزوره في بيته وفتح لي باب منزله بنفسه وهو يرتدي الجلباب. وكلفني ذات يومٍ بإدخال بعض التعديلات على منزله، وطلب أن نبني فيللا لابنته، ثم طلب بناء فيللا لكريمته الثانية. وتكررت الزيارات العائلية"
ويبدو أن هذه العلاقة القوية بين عثمان والسادات كانت وراء موافقته على تولي منصب وزاري، إذ كان الأول قد سبق له في شتاء 1960 رفض عرض من المشير عبد الحكيم عامر بأن يتولى من منصب وزير السد العالي، إذ قال له عثمان رداً على العرض المذكور: "أنا أنفعكم كمقاول، ولا أنفع مصر إلا كذلك يا سيادة المشير"!
وتكشف حكاية سيد مرعي مع المنصب الوزاري جزءاً من لعبة شد الحبل بين القيادة السياسية والمرشح للوزارة
لقد اشترك في الوزارة عام 1956 كوزير دولة للإصلاح الزراعي، ثم وزيراً للزراعة عام 1957 بالإضافة إلى الإصلاح الزراعي، ووزيراً للزراعة عام 1958 "الإقليم الجنوبي" أثناء تجربة الوحدة مع سوريا، ثم وزيراً مركزياً للزراعة والإصلاح الزراعي حتى أكتوبر تشرين أول عام 1961 "في أعقاب الانفصال"، وعاد وزيراً للزراعة بعد حرب 5 يونيو حزيران 1967، وفي سبتمبر أيلول 1970 وأصبح في نوفمبر 1971 نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الزراعة والري، ووزيراً للزراعة والإصلاح الزراعي
وفي أكتوبر تشرين أول 1957 كان المهندس سيد مرعي يشغل منصب وزير الدولة للإصلاح الزراعي، حين فوجىء في أحد اجتماعات مجلس الأمة المصري بوزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية علي صبري يناوله ورقةً صغيرة موجهة له تقول سطورها: "إن الرئيس جمال عبد الناصر يريد أن تتولى وزارة الزراعة إلى جانب عملك كوزير دولة للإصلاح الزراعي
وبعد الاجتماع جلس سيد مرعي مع علي صبري وأوضح له دوافع اعتذاره عن عدم قبول المنصب، وفي الوقت نفسه يبلغ الرئيس عبد الناصر اعتزازه بهذه الثقة من جانبه
وباقي ما جرى يرويه المهندس سيد مرعي في مذكراته كالتالي:
"في اليوم التالي دعاني الرئيس عبد الناصر للغداء معه، وكان علي صبري قد أبلغه برفضي لوزارة الزراعة، وذهبت إلى بيته في منشية البكري ووجدت هناك المشير عبد الحكيم عامر، ودارت أحاديث عادية على الغداء ولم يفتح الرئيس الموضوع ولم يشر إليه. وبعد أن انتهينا من تناول الغداء جلسنا في الصالون نحن الثلاثة وحدنا، والتفت إليَّ المشير عامر وقال لي فجأة:
- هل يجرؤ إنسان في مصر أن يعترض على قرار يصدره جمال عبد الناصر؟
وفهمت على الفور مقصده وقلت له:
- لا طبعاً.. هي المسألة مش رفض لأمر أو اعتراض على قرار..إنما هي مسألة هل الإنسان يستطيع القيام بالعمل المطلوب منه أو لا يستطيع؟
قال لي عبد الحكيم عامر:
ما توضح كلامك.. إيه المسألة بالضبط؟
فقلت له: في الحقيقة هناك اعتباران جعلاني أعتذر عن وزارة الزراعة.. الأول انشغالي بالإصلاح الزراعي، والثاني وهو الأهم وجود مديرية التحرير
وتدخل الرئيس عبد الناصر في الحديث وقال لي:
- طيب بنشيل مديرية التحرير من وزارة الزراعة.. إذا كانت هي دي المشكلة"
ويختتم سيد مرعي الواقعة السابقة بقوله:
"ولم تعد لي حجة أخرى، فقلت له: وأنا أقبل وزارة الزراعة على هذا الأساس" (سيد مرعي، أوراق سياسية ــ الجزء الثالث، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1977)
أما الدكتور أحمد خليفة فيروي في مذكراته "الرأي والرأي الآخر" كيف أنه في 29 سبتمبر أيلول 1965 كان في منزله يقوم بتنظيف وطلاء حذائه، حين دق جرس الهاتف، حيث أبلغه سكرتير زكريا محيي الدين بأن الأخير يطلب لقاءه في منزله صباح اليوم التالي. وفي الموعد المحدد عرض عليه زكريا محيي الدين منصب نائب الوزير لوزارتي الشؤون الاجتماعية والأوقاف. وبعد تشكيل وزارة صدقي سليمان في سبتمبر أيلول 1977 التي أصبح فيها د. أحمد خليفة وزيراً للأوقاف والشؤون الاجتماعية، سأل د. خليفة الرئيس جمال عبد الناصر عن سبب تكليفه بوزارةٍ يعلم مسبقاً أنه غير مُلِم بأوضاعها، فكان رد عبد الناصر "يمكن علشان تكمل بناء الجامع"، ويقصد الجامع الذي أصبح يحمل الآن اسم عبد الناصر ويضم ملحقه الآن رفات الرئيس الراحل
ويتعين ألا ننسى أن د. ثروت عكاشة أحد أبرز وزراء الثقافة في تاريخ مصر فوجىء بخبر اختياره للمنصب الوزاري عبر أثير الإذاعة
فقد كان د. عكاشة مع زوجته يشغلان مقعدين في أحد الصفوف الأمامية من دار الأوبرا في العاصمة الإيطالية روما في مساء 8 أكتوبر تشرين أول 1958. وبعد أن انتهى العرض الممتع وغادر الأوبرا، أخذ يستمع كالعادة إلى نشرة أخبار الحادية عشرة من إذاعة القاهرة، فأصيب بدهشةٍ بالغة عندما وجد أن الخبر الأول يذيع اسمه كوزير للثقافة ضمن تشكيلٍ وزاري جديد. ويروي الرجل في مذكراته (ثروت عكاشة، مذكراتي في السياسة والثقافة، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1988) أنه عاد إلى مصر فوراً وطلب من الرئيس جمال عبد الناصر إعفاءه من شغل المنصب الوزاري الذي لم يُستشر في أمر إسناده إليه، لكن عبد الناصر أقنعه بالمنصب الوزاري، ليقدم د. عكاشة العديد من الأعمال الثقافية المهمة أثناء فترة توليه هذه الحقيبة الوزارية
أما أطرف وأغرب الاختيارات لمنصب الوزارة فقد جاءت من رفاق السجن والزنزانة
فقد اختار الرئيس أنور السادات رفيق السجن في قضية اغتيال أمين عثمان لمنصب وزير الخارجية. وقد أشار الرئيس المصري الراحل إلى محمد إبراهيم كامل ووسامة هذا السجين الأشقر في مذكراته "البحث عن الذات" (أنور السادات، "البحث عن الذات"، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1978). الطريف أيضاً أن محمد إبراهيم كامل يروي في مذكراته "السلام الضائع في كامب ديفيد" أنه كان في زيارة لوالدته في حي الزمالك في 25 ديسمبر كانون أول 1977 قبل أن يعود إلى منزله في حدود الساعة 5:30، ليفاجأ بزوجته تبلغه بأن الراديو والتليفزيون قد أذاعا نبأ تعيينه وزيراً للخارجية خلفاً للوزير السابق إسماعيل فهمي
وفي استراحة الإسماعيلية عاتب إبراهيم كامل السادات على تعيينه وزيراً للخارجية من دون أخذ رأيه، فرّد عليه السادات قائلاً إنه سمح لنفسه بتعيينه من دون سؤاله لأنه كان في منزلة ابنه (كان السادات يكبر إبراهيم كامل بتسع سنوات) وإنه اختاره لأنه يراه شخصاً يثق فيه تماماً ويتصف بالوطنية والشجاعة. وقال السادات له: لو علمت عدد الذين كانوا يتهافتون على هذا المنصب لما أسفت" (محمد إبراهيم كامل: السلام الضائع في كامب ديفيد، كتاب الأهالي رقم 12، القاهرة، 1987)
غير أن البحث عن وزير في العهد الملكي كان بدوره أشبه بالبحث عن فضيحة
(2): شلة باريس
يحرص الرئيس مبارك على أن يستشير بنفسه الوزراء السابقين فيمن يرونه قادراً على أن يخلفهم في مواقعهم
ولعل أبرز نموذج على ذلك هو اختيار وزير العدل السابق أحمد ممدوح لخلفه المستشار فاروق سيف النصر (1987). وأسلوب الرئيس مبارك يعتمد على السؤال والاستفسار عن عددٍ من الأشخاص من دون التركيزعلى اسمٍ بعينه أو الكشف عن اهتمامه بهذا الشخص، لأنه بطبيعته ميالٌ إلى التحفظ والتكتم
والشاهد أن مبارك يحرص على أن تكون له يدٌ في اختيار أو استبعاد الوزراء، وفقاً لتقييمه لأدائهم وانسجامهم مع الخط الرسمي للدولة
وفي حالة د. محمود أبو زيد وزير الموارد المائية والري الذي خرج من حكومة د. أحمد نظيف في 11 مارس آذار 2009، قيل كلامٌ كثير حول عدم رضاء الرئيس مبارك شخصياً عن أسلوب معالجته لقضايا المياه وحصة مصر في نهر النيل، الأمر الذي أدى في النهاية الأمر إلى خروجه من الوزارة
وترشيحات الوزراء أنفسهم قد تسهم في اختيار من يتولى المنصب الوزاري
فقد جاء د. عبد السلام عبد الغفار بترشيح من د. مصطفى كمال حلمي عندما وقع الانفصال بين وزارة التعليم العالي التي استبقاها د. مصطفى كمال حلمي لنفسه، والتربية والتعليم التي تولاها عبد السلام عبد الغفار (1984). وأسهم كمال حسن علي في ترشيح د. عصمت عبد المجيد ليصبح وزيراً للخارجية (1984) عندما أصبح الأول رئيساً للحكومة
ومن المحافظات أيضاً يخرج الوزراء، حيث إن نجاح المحافظ في أداء مهامه أو بروز اسمه إعلامياً قد يزكيه للعمل الوزاري بشكل تلقائي، وهو ما حدث لأول مرة في حالة محمد صبري زكي محافظ أسوان الذي اختير وزير دولة للصحة (1982)، ثم حدث في حالة يوسف صبري أبو طالب محافظ شمال سيناء الذي اختير وزيراً للدفاع (1982)، وفي حالة سعد الدين مأمون الذي اختير وزير دولة للحكم المحلي (1983) من منصب محافظ القاهرة، وهو ما حدث أيضاً مع د. محمود شريف (1991) بالترتيب نفسه
وقد اختير ناجي شتلة في الوقت نفسه وهو محافظ كفر الشيخ وزيراً للتموين (1993). كما حدث هذا مع أحمد جويلي محافظ الإسماعيلية الذي اختير وزيراً للتموين في أغسطس آب 1994. وفي 27 أغسطس آب 2006 صدر قرارٌ جمهوري بتعيين محمد عبدالسلام المحجوب ابراهيم وزير دولة للتنمية المحلية، وقد كان من أبرز من تولوا منصب محافظ الإسكندرية (1997-2006) واكتسب شعبية ضخمة، حيث بدأ ورشة من إعادة البناء والصيانة لعدد كبير من منشآت ومرافق المدينة العامة، ومنها كورنيش الإسكندرية الشهير. وتكررت مسألة التوزير مع ثلاثة محافظين لأسيوط اختيروا وزراء للداخلية وهم زكي بدر (1986) ومحمد عبد الحليم موسى (1990) وحسن الألفي (1993)
واختير عددٌ من الشخصيات البارزة من خارج ديوان الوزارة نفسها، كما حدث مع د. عبد العزيز كامل عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين الذي تولى وزارة الأوقاف في نهاية عهد جمال عبد الناصر، والذي احتفظ بالمنصب الوزاري في بداية عهد السادات. كذلك الحال مع د. مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة الذي اختير وزيراً للتعليم العالي (قبل أن يصبح وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية)، ومن قبله الشيخ جاد الحق علي جاد الحق الذي عُينَ مفتياً للديار المصرية في أغسطس 1978 ثم اختير وزيراً للأوقاف في 3 يناير كانون ثانٍ 1982، وظل في المنصب شهوراً قليلة، اختير بعدها شيخاً للجامع الأزهر في 17 مارس آذار 1982
وأصبح عادل طاهر وزيراً للسياحة (1982) بعد أن كان رئيس هيئة التنشيط السياحي. وعُينَ محمود محمد محمود وزيراً للاقتصاد في حكومة د. عاطف صدقي الثالثة (1993) وكان رئيساً لبنك مصر الدولي، ود. نوال التطاوي التي انتقلت خلال شهرٍ واحد من رئاسة بنك الاستثمار إلى عضوية مجلس الشعب، ثم إلى عضوية مجلس الوزراء كأول وزيرة للاقتصاد (1996) في تاريخ مصر
وعلى هذا الغرار، اختير المشير محمد حسين طنطاوي للدفاع (1991) وكان أحد القيادات البارزة في وزارة الدفاع، وعمرو موسى (1991) بعد أن كان سفيراً لامعاً ومندوب مصر لدى الأمم المتحدة، وعبد السلام عبد الغفار الذي اختير وزيراً للتربية (1984) وكان من أقدم عمداء كليات التربية، ود. أحمد هيكل الذي اختير وزيراً للثقافة (1985) وكان أستاذاً بالجامعة يشارك في الندوات والحوارات مع الجماعات المتشددة، وهي حوارات كانت محط اهتمام وسائل الإعلام، الأمر الذي زاد من أسهمه ورشحه للوزارة
د. يوسف والي كان أحد الذين وقعوا لحزب الوفد على بيانه التأسيسي في الشهر العقاري، وإذا بالجماهير الوفدية تفاجأ باختياره وزيراً في أول حكومة تمت فيها اختيارات جديدة في عهد الرئيس مبارك، وهي وزارة د. فؤاد محيي الدين الأولى في يناير كانون ثانٍ 1982. أما حلمي الحديدي الذي كان قد وصل إلى عضوية مجلس الشعب نائباً عن حزب العمل الاشتراكي، فقد أصبح وزيراً للصحة في حكومة د. علي لطفي (1985)، قبل أن يترك هذا المنصب عند أول تعديل
ومن رؤساء مجالس الإدارات، وبالذات في قطاع الصناعة، جاء عدة وزراء بينهم المهندس فؤاد أبو زغلة (1982) من شركة الحديد والصلب، ومحمد عبد الوهاب من شركة النصر للسيارات (1984)، وسليمان رضا (1996) من مجمع الألومنيوم في نجع حمادي، وتولوا وزارة الصناعة. وفي السياحة جاء فؤاد سلطان (1985) من رئاسة بنك مصر إيران، وفي الإسكان جاء صلاح حسب الله (1993) من رئاسة مجلس إدارة شركة المقاولون العرب. وفي الاقتصاد جاءت د. نوال التطاوي (1996) من رئاسة بنك الاستثمار العربي، وجاء محمود محمد محمود من رئاسة بنك مصر الدولي
وعلى بساط الحزب الوطني جاء وزراء إلى الحكومة، فقد اختير د. علي لطفي للوزارة وكان رئيساً للجنة الاقتصادية في الحزب الوطني، وجاء د. إسماعيل سلام من رئاسة اللجنة الصحية إلى مقعد وزير الصحة (1996)، وبالمثل جاء د. حلمي الحديدي من منصب الأمين العام المساعد للحزب إلى المقعد نفسه (1985)، وجاء د. محمود شريف من منصب الأمين السابق للشباب ليصبح وزيراً للإدارة المحلية (1991)
وفي حالة د. ممدوح البلتاجي ود. محيي الدين الغريب جاء الاختيار من الرجال الثواني في وزارة أخرى. فقد كان الأول رئيساً لهيئة الاستعلامات والرجل الثاني في وزارة الإعلام، لكنه اختير وزيراً للسياحة قبل أن يصبح وزيراً للإعلام (يوليو تموز 2004- 15 فبراير شباط 2005) لينتقل بعد ذلك وزير الشباب أنس الفقي ليحل في وزارة الإعلام محل د. البلتاجي الذي ذهب بدوره ليكون وزيراً للشباب. أما د. الغريب، فقد كان رئيس هيئة الاستثمار لمدة عشر سنوات (86 ـ 1996) والرجل الثاني في وزارة الاقتصاد ثم أصبح وزيراً للمالية لمدة ثلاث سنوات. غير أن الغريب تحول في 28 فبراير شباط 2002 من وزير إلى مسجون لمدة 25 شهراً، وبين يوم وليلة تحول من وزير تفتح له كل الأبواب إلى مسجون أغلق عليه باب الزنزانة، بموجب قضية الجمارك الكبرى
ومن نواب رؤساء الجامعات البارزين جاء د. أحمد هيكل للثقافة (1985)، ود. أحمد فتحي سرور للتربية (1986)، وأحمد سلامة للحكم المحلي (1986)، ود. محمود حمدي زقزوق للأوقاف (1996)، ومحمد ناجي شتلة للتموين (1983). أما من رؤساء الجامعات فجاء د. عادل عز رئيس أكاديمية السادات لوزارة البحث العلمي (1986)، ود. مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة لوزارة التعليم العالي (1997)
ومن رجال رؤساء الوزارات أنفسهم جاء عادل عبد الباقي وزيراً لشؤون مجلس الوزراء (1982) في وزارة د. فؤاد محيي الدين، ود. عاطف عبيد وزيراً لشؤون مجلس الوزراء والدولة للتنمية الإدارية (1984) في وزارة كمال حسن علي، وجلال أبو الدهب وزيرأً للتموين والتجارة الداخلية (1986) في وزارة د. عاطف صدقي، ومعه د. محمد الرزاز وزيراً للمالية ود. يسري مصطفى وزيراً للاقتصاد والتجارة الخارجية ود. أحمد فتحي سرور وزيراً للتربية والتعليم ود. أحمد سلامة وزيراً للحكم المحلي (1986)، وبالطبع وزير شؤون مجلس الوزراء طلعت حماد الرجل القوي في وزارة د. الجنزوري، وظافر البشري وزير الدولة للتخطيط في حكومة د. الجنزوري
وقد لا يعرف كثيرون أن أول وزير لقطاع الأعمال العام لم يكن هو د. عاطف عبيد، وإنما كان د. عاطف صدقي نفسه، وهكذا فإن د. عاطف عبيد ورث د. عاطف صدقي على مرحلتين، في البداية ورثه في منصبه الأحدث عام 1993 في وزارة د. عاطف صدقي نفسها كوزير لقطاع الأعمال العام وتنازل يومها عن إحدى الحقائب الثلاث التي كان يتولاها وهي حقيبة شؤون مجلس الوزراء، فيما احتفظ مع القطاع العام بحقيبتين أخريين هما التنمية الإدارية والدولة لشؤون البيئة. وفي 1997 في أثناء وزارة د. الجنزوري تنازل د. عاطف عبيد ربما بغير إرادته عن وزارتين أخريين من الثلاث التي كان يتولاها منذ 1984، وهكذا أصبح د.عبيد في 1997 يتولى وزارة التخطيط بدلاً من الوزارات الثلاث التي جمع بينها في 1984
لم يكن عاطف عبيد أول أستاذ إدارة أعمال يصل إلى منصب الوزارة، كان هناك قبله زميل له في القسم نفسه أكبر منه سناً وهو د. علي عبد المجيد عبده، الذي كان قد وصل إلى منصب وكيل كلية التجارة في جامعة القاهرة، وكان في شبابه ينتمي إلى الإخوان المسلمين. ود. علي عبد المجيد هو صاحب الفضل في اختيار زوجة د. عبيد، وهي د. نجدة محمد خميس، ابنة الوكيل السابق لجماعة الإخوان المسلمين
وقدم البرلمان والحزب الوطني رافداً آخر للوزارة
ويأتي كمال الشاذلي كنموذج بارز لهذا النوع من الاختيار، فقد كان يُوصف بأنه "الغول" و"المايسترو" تحت قبة البرلمان، إذ كان يخشاه الجميع ويحسبون له ألف حساب. غير أن كمال الشاذلي بدأ يفقد أنيابه في أعقاب تعيينه في حكومة د. عاطف صدقي الثالثة (1993) وزير دولة لشؤون مجلسي الشعب والشورى. وقبله ظهر توفيق عبد إسماعيل الذي اختير وزيراً للسياحة والطيران (1982) ولشؤون مجلسي الشعب والشورى.. لكنه دخل السجن مساء يوم ١٧ يوليو تموز ١٩٩٩ في قضية نواب القروض، وكانت ليلة عيد زواجه. قضى توفيق عبده إسماعيل الليلة الأولى داخل تخشيبة الخليفة، وهو يقول إنه "لن ينسى هذا اليوم الذي نامت فيه الصراصير إلى جواره"، قبل أن تمر ٨ سنوات ويعود إلى منزله في حي الزمالك (جريدة "المصري اليوم"، الثلاثاء ٨ مايو ٢٠٠٧)
كذلك يبرز اسم د. مصطفى السعيد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية (1982) في وزارة د. فؤاد محيي الدين الثانية. ويأتي أيضاً السيد علي السيد (1985) ووليم نجيب سيفين (1985) في وزارة د. علي لطفي. وجاء أمين الحزب الوطني في الإسكندرية د. زكي أبو عامر (1993) وزيراً لشؤون مجلسي الشعب والشورى ثم التنمية الإدارية
وبرزت قيادات عمالية لتدخل الوزارة، مثل سعد محمد أحمد وعاصم عبد الحق (1986) وأحمد العماوي (1993). وقدمت القوات المسلحة عدة وزراء بينهم وزراء مجلس قيادة الثورة، واللواء حسين صدقي الذي اختير وزيراً للإسكان في حكومة كمال حسن علي
وقد يتم اختيار الشخص لمنصبٍ وزاري لأسبابٍ تبدو غامضة، على الأقل في ظاهرها
اللواء حسن أبو باشا فوجىء بضمه إلى وزارة د. فؤاد محيي الدين التي تشكلت في أول يناير 1982، وقد أبلغه بالخبر اللواء نبوي إسماعيل الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية. فلما سأل أبو باشا عن أسباب اختياره وزيراً للداخلية، قيل له إن ذلك يعود لاعتباراتٍ داخلية عدة تحتم هذا الاختيار
وللصداقة دورٌ في التوزير
واستفاد د. عاطف صدقي من شلة باريس، وبينهم د. أحمد فتحي سرور (التربية) ود. محمد الرزاز (المالية) وفاروق حسني (الثقافة). فأما د. سرور فقد فشل في موقعه كوزير للتربية في الفترة من 11 نوفمبر تشرين ثانٍ 1986 إلى 12 ديسمبر كانون ثانٍ 1990، وقيل أيامها إنه صاحب بدعة الدفعة المزدوجة التي ضاعفت من قوة الدروس الخصوصية وأباطرتها في مصر
أما د. الرزاز فقد كان صديقاً مقرباً من د. صدقي حتى قبل الوزارة، وكثيراً ما كانا يقضيان أوقات فراغهما في لعب الطاولة (النرد). والطريف أن د. الرزاز كان أول من استدعاه د. صدقي عندما علم بنبأ تكليفه بتأليف الحكومة في مطلع يناير كانون ثانٍ 1986، وجلس معه نحو نصف ساعة في مجلس الوزراء قبل أن يتوافد عدد من الوزراء الذين اشتموا رائحة التغيير الوزاري ورأوا أنه من الضروري أن يذهبوا إلى د. صدقي لمعرفة الخبر اليقين
ويبقى اسم د. الرزاز في ذاكرة المصريين مرتبطاً بالضرائب والجمارك والدمغات التي أرهقتهم إلى حدٍ كبير، علماً بأنه صاحب أطول فترة قضاها وزير مالية في المنصب ، إذ شغل هذا الموقع 10 سنوات كاملة منذ حكومة د. عاطف صدقي في 1986 وحتى 1996
والأمر كما يرى الجميع في حال الوزير "الفنان" فاروق حسني، الذي ارتبط عهده كوزير - بدءاً من 1987- بحريق قصر ثقافة بني سويف (2005) وحريق المسرح القومي (2008)، وقضايا الآثار الكبرى وتهريب الآثار للخارج، وسرقة المتحف الإسلامي والمتحف المصري ودار الكتب
على أن د. صدقي عاد بعد سنواتٍ طويلة ليتبرأ من اختياراته، إذ أكد -ربما نتيجة خلافاته مع وزير الثقافة- أنه لم يكن صاحب اختيار فاروق حسني لهذا المنصب بشكلٍ مباشر، وقال إنه كان قد وضع اسم فاروق حسني في الترتيب الرابع أو حتى الخامس بعد أسماء أخرى رشحها قبل أن يحسم الرئيس مبارك الأمر ويختار فاروق لهذا المنصب من بين البدائل المطروحة أمامه
وكان د. عاطف صدقي مولعاً بالاستفادة من قدامى البيروقراطيين، وهكذا استفاد من أحمد رضوان كوزير لشؤون مجلس الوزراء ومحمد فؤاد اسكندر كوزير دولة لشؤون الهجرة (1987) وموريس مكرم (1987) وزير دولة للتعاون الدولي. ولقد اختار د. صدقي لمنصب وزير الصحة د. علي عبد الفتاح المخزنجي (1993) عميد طب عين شمس السابق، وتربطهما معاً صلة نسب ومصاهرة. كما جاء أساتذة جامعة متقاعدون أو على وشك التقاعد إلى الوزارة، مثل د. فينيس كامل جودة وزيرة دولة للبحث العلمي (1993)، ود. ماهر مهران وزير دولة لشؤون السكان والأسرة (1993)
الشللية والصداقات التي تقود إلى مقعد الوزارة، لم تكن وليدة الأمس القريب.. وإنما البعيد أيضاً
من حقك أن تتساءل عن اختيار الوزراء: كيف ومن ولماذا؟
هذه التساؤلات تفرضها المفاجآت التي تصيب كثيرين كلما جرى الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة أو تعديل وزاري ما، لأنه في كلتا الحالتين تبرز على السطح أسماء جديدة قد تكون مجهولة بالنسبة إلى الجميع - حتى من يفترض أنهم يتابعون عن كثب التطورات المختلفة- أو قد تكون تلك الأسماء مثار جدل أو محل تحفظ لسببٍ أو لآخر
ولأن من حقنا أن نعرف إجابة شافية عن مثل هذه التساؤلات، فإن مصدرنا الوحيد في الإجابة حتى الآن، في ظل تراجع دور المواطن المصري في عملية صنع القرار -أو ضعف دوره لكي لا يغضب أحد- هو استقراء التاريخ ومراجعة الأحداث
وعملية البحث عن وزير تخضع لمجموعة من الاعتبارات سواء أكانت شخصية -هل نقول الاستلطاف؟- أو أمنية -التحقق من شخصية المرشح للوزارة من خلال الأجهزة الأمنية المعنية- أو سياسية أو اقتصادية - النشاط الواضح للمرشح، أو إمكان الاستفادة من خبراته في هذا الموقع للحاجة إلى مثل هذه الخبرات- وما إلى ذلك
ولكي نوضح ما نعنيه يمكن أن نشير إلى وقائع ربما تكون مفيدة في الكشف عن كيفية اختيار الوزراء في مصر
ولنبدأ من خط النهاية
ففي أحدث تعديل وزاري، ارتفعت أسهم هندسة القاهرة والمجلس القومي للطفولة والأمومة
وخروجاً على التقاليد التي جرت عند اختيار وزير الري طوال السنوات الماضية، جاء د. أحمد نظيف في 11 مارس آذار 2009 بوزير من خارج الوزارة، وهو د. محمد نصر الدين علام ابن هندسة القاهرة وأستاذ هندسة شبكات الري.. حيث اعتاد العاملون في الوزارة وقياداتها على تعيين وزير من داخل الوزارة وهو ما حدث مع د. عصام راضي ود. عبد الهادي راضي وأخيراً د. محمود أبو زيد
ونصر الدين أستاذ بهندسة القاهرة، التي تخرج فيها نظيف، وتردد أنهما ابنا دفعة واحدة. ومجموعة هندسة القاهرة باتت تشكل أبرز لوبي داخل الحكومة، حيث تضم د. نظيف ود. طارق كامل وزير الاتصالات ود. أحمد درويش وزير التنمية الإدارية ود. هاني هلال وزير التعليم العالي.. وبانضمام الوزير د. محمد نصر الدين علام وصل عدد أعضاء هذا اللوبي إلى 5 بينهم رئيس الوزراء
ويرجع اختيار د. نظيف للوزير الجديد إلى أنه من مجموعة هندسة القاهرة التي يرعاها، إلى جانب أنه متخصص في شبكات الري، وهو ما يناسب المشروع الجديد الذي يسعى رئيس الوزراء إلى تنفيذه وذلك بتحويل الري في أراضي الدلتا إلى الري بالتنقيط، بهدف إضافة 3 ملايين فدان إلى الرقعة الزراعية
ومن المجلس القومي للطفولة والأمومة الذي كانت تشغل منصب أمينه العام، جاءت مشيرة خطاب لتصبح وزيرة للأسرة والسكان في التغيير الوزاري المحدود الذي أتى بوزير الري د. محمد نصر الدين علام
مشيرة خطاب التي يرى البعض أنها تستمد قوتها من قربها من قرينة الرئيس المصري سوزان مبارك، لها حكاية مع الوزارة تعود إلى بضع سنوات. فقد كانت مرشحة لتولي وزارة الدولة للشؤون الخارجية في حكومة د. نظيف الأولى التي تشكلت في يوليو تموز 2004، غير أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط طلب بضم اختصاصات وزارة الشؤون الخارجية إلى وزارته، الأمر الذي أدى الى اتخاذ قرار إلغاء الوزارة برمتها. كما بذلت مشيرة خطاب جهوداً مكثفة بهدف ضم شقيقتها د. مديحة خطاب إلى الوزارة وذلك في التعديل الذي أجراه د. نظيف وجاء بحاتم الجبلي وزير الصحة في ديسمبر كانون أول 2005. وقتها استقبل د. نظيف ما يقرب من 8 شخصيات مرشحة لتولي المنصب وكان بينهم د. مديحة، إلا أن الأمر استقر في النهاية على د. الجبلي
ومنذ ذلك الحين بدأت مشيرة في التخطيط للوصول إلى كرسي الوزارة.. وكان كل هدفها هو تحقيق الحلم الذي كان وشيكاً معها ومع شقيقتها مديحة. ونجحت مشيرة في الوصول إلى كرسي الوزارة حتى لو كانت وزارة دولة ووزارة "فك وتركيب"
وقبل ذلك، هبت على الحكومة رياح رجال الأعمال
فعلى سبيل المثال، فإن حكومة د. نظيف الثانية ضمت كلاً من وزير السياحة زهير جرانة الذي يمتلك وأسرته شركة سياحة كبرى ومجموعة من الفنادق، ووزير النقل محمد لطفي منصور وهو وكيل عدة شركات أبرزها "جنرال موتورز" في مصر، ووزير الصحة حاتم الجبلي الذي يمتلك أكبر المستشفيات الاستثمارية في مصر "دار الفؤاد"، ووزير الزراعة أمين أباظة الذي يعد من أبرز مصدري القطن المصري، وظل رئيساً لاتحاد مصدري القطن حتى عام 2005
وفضلاً عن كونهم من رجال الأعمال البارزين، فإنهم أبناء أسر مصرية معروفة، كما أن بعضاً منهم أبناء لوزراء سابقين، فمثلاً وزير السياحة زهير جرانة، هو حفيد زهير جرانة باشا الوزير سابقاً في عهد الملك فاروق، ووزير الصحة حاتم الجبلي، هو ابن وزير الزراعة الأسبق مصطفى الجبلي، وأمين أباظة وزير الزراعة، هو سليل "الأسرة الأباظية" الشهيرة التي قدمت شخصيات مرموقة في السياسة والفن والأدب وهكذا ضمت حكومة د. نظيف الثانية أبناء ثماني عائلات عريقة، تأتي في مقدمتها عائلات أباظة ومحيي الدين (د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار) وغالي (د. يوسف بطرس غالي وزير المالية)
وانضم هؤلاء إلى وزيري الصناعة والتجارة (رشيد محمد رشيد) والإسكان (أحمد المغربي) والذي كان مسؤولاً عن حقيبة السياحة في التشكيل السابق. إذ شغل رشيد قبل دخوله الوزارة منصب المدير المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا وشمال إفريقيا في شركة يونيليفر العالمية التي تعمل في مجال الصناعات الغذائية والمنظفات
أما المغربي، الرئيس السابق لاتحاد الغرف السياحية، فقد وقع اختيار د. نظيف عليه لشغل منصب وزير السياحة في حكومته الأولى بعد تردد بسبب جنسيته المزدوجة، حيث يحمل الجنسيتين السعودية والمصرية. وفي حكومة د. نظيف الثانية اختير المغربي وزيراً للإسكان
وفي ظل تشابك المصالح وشبكة المصاهرة والقرابة، تبدو الصورة أكثر تعقيداً من مجرد الحديث عن رجال أعمال في مواقع السلطة
نتوقف هنا قليلاً لنشير إلى زواج ابنة رشيد محمد رشيد في عام 2006 من أمين، نجل رجل الأعمال السعودي البارز عاكف المغربي، وهو بالمناسبة شقيق المهندس أحمد المغربي. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن المغربي هو ابن خالة محمد لطفي منصور وزير النقل، وأن الأمر لا يقتصر على صلة القرابة، وإنما تجاوزه ليصل إلى الشراكة في الكيان الضخم "المنصور والمغربي"، الذي يجمع سلسلة شركات في مجالات كثيرة
وهكذا تصبح السلطة شركة عائلية بامتياز
ويمكن القول إن اختيار الوزراء في مصر يخضع لعوامل مختلفة ويأتي من مصادر متباينة، فقد اختير وزراء من الرجال الثواني في وزاراتهم، مثلما حدث مع د. طارق كامل وزير الاتصالات والمعلومات في حكومة نظيف. إذ كان د. كامل الأقرب للدكتور نظيف - قبل توليه رئاسة الوزارة- بين مستشاريه، وهو رجل المهام الصعبة، ودائماً ما كان يكلفه د. نظيف حينما كان وزيراً للاتصالات والمعلومات للمشاركة في المؤتمرات والمحافل الدولية نيابة عنه
د. كمال الجنزوري كان مديراً لمعهد التخطيط القومي قبل أن يصبح وزيراً للتخطيط في حكومة فؤاد محيي الدين الأولى. وصفوت الشريف كان رئيساً لاتحاد الإذاعة والتليفزيون قبل أن يصبح وزيراً للإعلام من ١٩٨٣ وحتى ٢٠٠٤، وحسن أبو باشا كان الرجل الأبرز في وزارة الداخلية بعد الوزير الشهير النبوي إسماعيل، فأصبح وزيراً للداخلية
بعد ثلاثة أشهر تكرر الأسلوب نفسه، فاختير الشيخ إبراهيم الدسوقي أقدم وكلاء وزارة الأوقاف ليصبح وزيراً للأوقاف. وفي يوليو تموز 1984 اختير رئيس هيئة البترول عبد الهادي قنديل ليكون وزيراً للبترول، واختير أحمد رشدي للداخلية
كذلك في مارس آذار 1985 أصبح د. سلطان أبو علي - نائب رئيس هيئة الاستثمار والشخص الثاني بروتوكولياً في وزارة الاقتصاد- لحقيبة الاقتصاد، وهو الوزير الذي نال فيما بعد جائزة "الملعقة الخشبية" الدولية التي تمنح لأسوأ وزير اقتصاد في العالم!
وفي سبتمبر أيلول 1985 أصبح منصور حسين نائب وزير التربية والتعليم وزيراً للتربية، وفي 20 مايو أيار 1991 جاء حمدي البنبي وزيراً للبترول، وكان قد تولى قبل الوزارة رئاسة الهيئة المصرية العامة للبترول لمدة ثلاث سنوات. وبشكل عام، فإن عدداً من وزراء البترول في مصر كانوا من أبرز رجالات الوزارة قبل أن تُسنَد إليهم حقيبة البترول. ومن هؤلاء المهندس علي والي، الذي شغل منصب أول رئيس لمجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للبترول في عام 1968، قبل أن يتم تعيينه وزير دولة لشؤون البترول والثروة المعدنية في مايو أيار 1971
المهندس أحمد عز الدين هلال، شغل منصب رئيس المؤسسة العامة للبترول للتكرير (هيئة البترول حالياً) في 4 أكتوبر تشرين أول 1971، قبل أن يتولى أول وزارة مستقلة للبترول في مصر في أواخر مارس آذار 1973 أما الكيميائي عبد الهادي قنديل، فقد تم تعيينه رئيساً لهيئة البترول في أكتوبر تشرين أول 1980 واستمر في الاحتفاظ برئاسته للهيئة بعد أن عين وزيراً للبترول في عام 1984 وحتى مايو أيار 1991
وفي يناير كانون ثانٍ 1996 اختير ظافر البشري - نائب د. الجنزوري- ليصبح وزير الدولة للتخطيط قبل الأخير. وفي نوفمبر تشرين ثانٍ 1997 كان حبيب العادلي تطبيقاً آخر لقاعدة الرجل الثاني، إذ اختير وزيراً للداخلية بعد استبعاد الوزير حسن الألفي. الأمر نفسه تكرر مع د. مختار خطاب الذي اختير ضمن حكومة د. عاطف عبيد في أكتوبر تشرين أول 1999
غير أن كبار التكنوقراط في الوزارات كان لهم نصيبٌ أيضاً في تذوق طعم المنصب الوزاري
وهؤلاء لم يشغلوا موقع الرجل الثاني في الوزارة على وجه التحديد، لكن قطار المنصب الوزاري توقف عند محطتهم. ومن الأسماء التي تضمها تلك القائمة وأوردها د. محمد الجوادي في عدد من كتبه وأبرزها "البنيان الوزاري في مصر (1878-2000)" نجد وزيري الأشغال د. محمود أبوزيد ود. عبد الهادي راضي، ووزير الصحة د. محمد راغب دويدار، والأخير كان يشغل منصب رئيس هيئة التأمين الصحي قبل توليه الوزارة
أما د. عبد الهادي راضي، الذي عمل مديراً فنياً لمكاتب ثلاثة من وزراء الأشغال السابقين هم عبد العظيم أبو العطا وعبد الهادي سماحة وعصام راضي، فقد أبلغته رئاسة الجمهورية بضرورة عدم مغادرة البلاد لمدة خمسة أيام. وأثناء تشكيل د. الجنزوري للحكومة في مطلع يناير كانون ثانٍ 1996 قال للوزير د. راضي: أنت الوحيد الذي لم نختر له بديلاً، بل لم نفكر في بديل لك لثقتنا فيك
وبعد وفاة د. عبد الهادي راضي إثر معاناة طويلة مع المرض، اختير د. محمود أبو زيد ليخلفه في المنصب. ود. أبو زيد واحد من أبرز العلماء على المستوى الدولي في مجال بحوث المياه والسياسات المائية، وكان يشغل قبل دخوله الوزارة منصب رئيس المركز القومي للبحوث المائية، واختاره د. كمال الجنزوري للمنصب في 8 يوليو تموز 1997. وكان من مقومات اختياره دراسة أعدها حول مشروع توشكى الذي تبناه الجنزوري
عنصر المفاجأة هو السمة الأساسية في اختيار الرئيس المصري حسني مبارك لرؤساء الحكومات، وهو ما حدث مثلاً مع د. علي لطفي (1985)، وتجسد في اختيار د. عاطف صدقي (1986) إذ ظل اسمه سراً لا يعلمه أحد حتى لحظة الإعلان عنه رسمياً، وبقي بعيداً حينئذ عن دائرة التوقعات، ثم تكرر الأمر مع د. كمال الجنزوري (1996)، وأخيراً د.عاطف عبيد (1999) أو "البيه عاطف الصغير" كما كان يصوره كاريكاتير كفر الهنادوة في جريدة "أخبار اليوم"، على اعتبار أن د. صدقي هو "البيه عاطف الكبير". وفوجىء كثيرون باختيار وزير الاتصالات والمعلومات د. أحمد نظيف (2004) رئيساً للحكومة، إذ كانت التوقعات تصب في خانة اختيار وزير اقتصادي قبل أن تؤول رئاسة الحكومة إلى رجل تكنولوجيا المعلومات
بعيداً عن المفاجآت، يلجأ مبارك إلى طريقة أخرى لاختيار الوزراء
مصر هي اول دولة عربية تعين منصب وزيرة
كان أحد أحلام الرئيس جمال عبد الناصر هو اختيار امرأة لشغل منصب وزيرة
يقول الكاتب الصحفي مصطفى أمين: "في عام 1960 قلت للرئيس جمال عبد الناصر إنني أرى أن مجلس الأمة يحترم العضوتين وأن الوقت ملائم لكي نعين وزيرة وبهذا تكون مصر هي أول دولة عربية تعين وزيرة، ودارت بيننا مناقشة اقتنع في نهايتها بفكرتي
وفجأة دخل المشير عبد الحكيم عامر فقال لي الرئيس:
قل له على فكرتك عن المرأة!
فهب عبد الحكيم عامر واقفاً وخلع حزام بذلته العسكرية وحلف بالطلاق قائلاً: "عليّ الطلاق بالثلاثة لو ست دخلت مجلس الوزراء لأخرج أنا منه"!
ويقول مصطفى أمين: وماتت الفكرة، وبعد عامٍ أو اثنين كلمني الرئيس تليفونياً وقال لي إن عبد الحكيم عامر سوف يعين نائباً للقائد الأعلى وسيتولى وزارة الحربية شخصٌ آخر، وما دام قد خرج من الوزارة فهي فرصة لتعيين وزيرة، وقال لي عبد الناصر: عندكم في أخبار اليوم أحسن أرشيف، فاختر لي أحسن 10 نساء في مصر وأرسل لي صورهن وتاريخ حياتهن
وفعلاً نزلت الأرشيف واخترت عشراً، بينهن أمينة السعيد وكريمة السعيد وفاطمة عنان المفتشة في وزارة المعارف وعائشة راتب وكانت وقتها أستاذة في الجامعة، واقترحت أن تعين أم كلثوم وزيرة للثقافة والفنون الجميلة، واخترت أيضاً عزيزة أحمد حسين، وكانت آخر سيدة في القائمة حكمت أبو زيد، وأرسلت للرئيس الصور ولم يرد عليّ
وبعد فترة تألفت الوزارة، وفوجئت بأن حكمت أبو زيد عُينت وزيرة رغم أنها رقم 10 بين السيدات اللاتي أرسلت أسماءهن للرئيس، فاتصلت به وسألته:
لماذا اخترت حكمت أبو زيد؟
فقال: "لأنها أوحش واحدة"
(رشاد كامل، حياة المشير عبد الحكيم عامر، دار الخيّال، القاهرة، 2002، ص 139-140)
وهكذا شاءت تصاريف القدر أن تصبح ابنة قرية الشيخ داود بالقوصية محافظة أسيوط، أول وزيرة عربية
شعورٌ بالاستغراب والدهشة سيطر على أستاذة القانون الدولي د. عائشة راتب حين نشرت الصحف المصرية في صفحتها الأولى في 12 نوفمبر تشرين ثانٍ ١٩٧١ خبر تعيين د. عائشة - والتي كانت آنذاك في الثالثة والأربعين من العمر- وزيرة للشؤون الاجتماعية
ففي أعقاب انتخابها لعضوية اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي شاركت في المؤتمر العام وكان النقاش دائراً حول الدستور. ولأنها كانت قانونية فقد ذهبت لزملائها في الكلية وسألتهم عن اعتراضاتهم على مواد الدستور، وجمعت آراءهم. كان النقاش حول اختصاصات رئيس الجمهورية حين اعترضت د. عائشة راتب على توسيع اختصاصات رئيس الجمهورية وظلت تقول "لا يجوز" و"لا يليق" وفق ما هو مدون في محاضر الجلسة الرسمية. استمرت الجلسة ثلاث ساعات وهي مصرة على الرفض فأرسل لها البعض ورقة وقالوا لها فيها "ارحمينا يا دكتورة عائشة"
تقول د. عائشة راتب: "وكان الرئيس أنور السادات موجوداً في الجلسة في الطابق العلوي إذ كان يرأس اجتماعات اللجنة المركزية وقتها، وقد سمعت بعد ذلك منه شخصياً في اجتماع لجنة السياسات واللجنة الوزارية أنه قال للوزراء "إنتو عارفين أنا جبت الدكتورة عائشة وزيرة ليه؟ لأنها في اللجنة المركزية وأنا موجود جلست تناقش اختصاصات رئيس الجمهورية، فقررت تعيينها وزيرة"
أما عن معرفتها بالخبر، فقد أخبروها في المنزل أن مكتب وزير الداخلية اتصل بها، وكانت وقتها تلقي محاضرة في المؤتمر العمالي التابع لجامعة الدول العربية، وكانت في المحاضرات تنتقد رفض العرب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٤٧ الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين إسرائيلية وأخرى فلسطينية، وترى أنه لو قبل العرب ذلك لاختلف الوضع. اعتقدت د. عائشة راتب أن الحكومة لم يعجبها كلامها فاستدعتها. وذهبت إلى ممدوح سالم وكان وزيراً للداخلية، فأخبرها بضرورة الذهاب إلى مجلس الوزراء، فذهبت وقابلت د. محمود فوزي الذي قال لها: "يا دكتورة نحن يسعدنا ويشرفنا أن تكوني وزيرة معنا"، فقالت: "وزيرة إيه؟"، قال: شؤون اجتماعية، قالت: "أنا أستاذة قانون، مالي ومال الشؤون الاجتماعية"! فقال "الشؤون الاجتماعية كلها قوانين ونحن نريدك لذلك"
اشترطت د. عائشة راتب أن تكمل العام الدراسي مع الطلبة وأن ترجع للكلية بعد خروجها من الوزارة. وفي حجرة الوزراء جاءها صوت د. محمد حافظ سالم من آخر الغرفة يقول: "كمان بتتشرطي"، فقالت: "أنا لا أشترط إنما لابد أن أنهي التزاماتي تجاه الطلبة". بعد ذلك حلفت اليمين أمام الرئيس وأصبحت ثاني وزيرة للشؤون الاجتماعية في مصر (عائشة راتب وزيرة الشؤون الاجتماعية والتأمينات في السبعينيات لـ "المصري اليوم": السادات سيدخل الجنة "حدف".. ومصر كلها مديونة لي، جريدة "المصري اليوم"، 4 سبتمبر 2008)
صداقات رفاق السلاح منحت فرصة للضباط الأحرار كي يستوزروا
فقد أصبح المشير عبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادي وحسين الشافعي وزراء للحربية أثناء عهد الثورة
وحين تشكلت برئاسة علي ماهر الوزارة الأولى في عهد الثورة، والتي تحمل الرقم 70 في تاريخ مصر الحديث، تولى رئيس الوزراء في هذه الوزارة ثلاث وزارات بالإضافة إلى منصب رئيس الحكومة، في حين تولى مدير مكتبه وصديقه الحميم إبراهيم عبد الوهاب وزارتين، وبقيت الوزارة الخامسة عشرة في تلك الحكومة وهي وزارة المواصلات بلا وزير، ثم عُيِنَ لها بعد أسبوع وزير تولاها لمدة يوم أو يومين بصفة شكلية حتى يكون مؤهلاً لمنصب أعلى، وهو رشاد مهنا مرشح الضباط الأحرار لعضوية مجلس الوصاية
وفي الوزارة التالية، وهي وزارة الرئيس محمد نجيب الأولى، تولى فتحي رضوان منصب وزير الدولة، وسرعان ما أنشئت وزارة الإرشاد القومي. ويذهب البعض إلى القول بأن هذه الوزارة أسست لفتحي رضوان أو أنه أسسها هو بنفسه، خاصة أنه كان على علاقة قوية بمجلس قيادة الثورة وبالذات جمال عبد الناصر، مثلما كانت الحال بالنسبة للرئيس أنور السادات وكل من سيد مرعي وعثمان أحمد عثمان اللذين ارتبط بهما السادات بعلاقات مصاهرة
ويروي فتحي رضوان لضياء الدين بيبرس كيف أنه لم يمض 24 ساعة على الاجتماع الذي عقده قادة الثورة للتعارف معه والاستماع إلى آرائه حتى فوجىء باختياره عضواً في الوزارة الجديدة. بل إنه يؤكد أنه في ذلك اليوم اعتذر عن عدم دخول الوزارة أكثر من 20 مرشحاً، منهم محمود محمد محمود ومريت غالي وإبراهيم بيومي مدكور وحامد سليمان وحفني محمود. وكانت طريقة الاستدعاء لدخول الوزارة في بعض الأحيان من أسباب الاعتذار عن عدم دخولها. فعلى سبيل المثال، حفني محمود كان مسافراً إلى الإسكندرية في الطريق الصحراوي، فلحقت به سيارة جيب من سيارات الشرطة العسكرية وأعادته إلى القاهرة من دون أن تقدم له سبباً واضحاً؛ لأن قائد الحملة نفسه لم يكن يعلم السبب. وبهذه الطريقة دخل حفني محمود مجلس قيادة الثورة وهو يظن أنه مطلوب للاعتقال، فلما عرف أنه مرشحٌ للوزارة اعتذر في الحال (ضياء الدين بيبرس، فتحي رضوان يروي أسرار حكومة يوليو، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1967)
ويشير فتحي رضوان إلى أنه هو الذي أقنع عبد الناصر باختيار الشيخ أحمد حسن الباقوري كمرشحٍ للإخوان المسلمين وزيراً للأوقاف، في حين كان عبد الناصر يميل إلى اختيار مرشحٍ إخواني آخر هو حسن العشماوي. أما مسوغات اختيار الباقوري فيرويها فتحي رضوان كالتالي: "فقلت له "عبد الناصر" مبرراً ترشيحي.أنا عاوز في الوزارة دي "عمامة" وعاوزها على رأس شاب. والشيخ الباقوري خطيب ووسيم، ودخل السجن وقاسى أهوال المعتقل، فهو صورة للأزهري غير الصورة المعروفة عنه للناس"
ويحكي عثمان أحمد عثمان في مذكراته عن استدعاء الرئيس أنور السادات له في أكتوبر تشرين أول 1973. في بادىء الأمر، لم يكن عثمان يعرف الغرض من المقابلة التي استمرت ساعة ونصف الساعة كاملة، تحدث السادات فيها عن تصوراته لإعادة المياه إلى منطقة القناة..إلى أن يقول مؤلف الكتاب: "قال لي الرئيس هيا يا عثمان. تصورت أن المقابلة قد انتهت، فقلت: أتركك بخير يا سيادة الرئيس، قال إنه أصدر قراراً بتعييني وزيراً للتعمير. وكانت مفاجأة أخرى بالنسبة لي، مفاجأة سعيدة لا أتمناها، لذلك قلت: إنني أستطيع أن أقوم بهذا الدور على أحسن ما يكون.. وأنا خارج الوزارة يا سيادة الرئيس. وقال: إن تعمير القناة يحتاج إلى وزير
(عثمان أحمد عثمان، صفحات من تجربتي، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1981)
في تلك المقابلة، قال له السادات أيضاً: "عثمان، أنا عاوزك وزير تعمير عشان أضمن إن كل حاجة تمشي مضبوط"
وعندما سأل السادات عن مصور الرئاسة لكي يلتقط صور حلف عثمان أحمد عثمان لليمين الدستورية، تبين أنه ذهب إلى منزله..في حين لم يكن فوزي عبد الحافظ سكرتير السادات، وحسن كامل رئيس الديوان، على علمٍ بالمقابلة التي يبدو أنها فكرة خطرت على ذهن السادات فجأة. وهكذا تم استدعاء المصور فوراً، ليؤدي عثمان اليمين الدستورية وهو يشعر بحجم المفاجأة وهكذا اختير عثمان وزيراً للتعمير في حكومة د. عبد القادر حاتم في 28 أكتوبر تشرين أول 1973، ليظل في الوزارة لمدة ثلاث سنوات عاصر أثناءها ثلاث حكومات متعاقبة. فقد اختير وزيراً للإسكان والتعمير في حكومة د. عبد العزيز حجازي في 26 سبتمبر أيلول 1974، ثم احتفظ بالحقيبة الوزارية نفسها في حكومة ممدوح سالم في 16 إبريل نيسان 1975، إلى أن خرج من الوزارة في نوفمبر تشرين ثانٍ 1976وحكاية عثمان مع السادات تبدأ عندما كان الاثنان يسكنان متجاورين في منطقة الهرم قبل ثورة يوليو 1952، ومن ثم تعارفا وتوطدت العلاقة بينهما لتصبح في فترة من الفترات أشبه بالتوأمة. ويؤكد عثمان أنه كان بينه وبين السادات نوع من "التوافق النفسي"، فقد كانا جارين وبينهما "عِشرة عمر"
يقول عثمان: "عندما أُعلِنَت أسماء وأعضاء مجلس قيادة الثورة لم أجد في الأسماء من أعرفه إلا محمد أنور السادات الذي عاش خلال مراحله الأولى فترة في الإسماعيلية، ثم رأيته في بورسعيد عقب العدوان الثلاثي عام 1956. وكنت قد حضرت من السعودية خصيصاً لكي تشارك شركتي في تعمير بورسعيد، وذهبت أزوره في بيته وفتح لي باب منزله بنفسه وهو يرتدي الجلباب. وكلفني ذات يومٍ بإدخال بعض التعديلات على منزله، وطلب أن نبني فيللا لابنته، ثم طلب بناء فيللا لكريمته الثانية. وتكررت الزيارات العائلية"
ويبدو أن هذه العلاقة القوية بين عثمان والسادات كانت وراء موافقته على تولي منصب وزاري، إذ كان الأول قد سبق له في شتاء 1960 رفض عرض من المشير عبد الحكيم عامر بأن يتولى من منصب وزير السد العالي، إذ قال له عثمان رداً على العرض المذكور: "أنا أنفعكم كمقاول، ولا أنفع مصر إلا كذلك يا سيادة المشير"!
وتكشف حكاية سيد مرعي مع المنصب الوزاري جزءاً من لعبة شد الحبل بين القيادة السياسية والمرشح للوزارة
لقد اشترك في الوزارة عام 1956 كوزير دولة للإصلاح الزراعي، ثم وزيراً للزراعة عام 1957 بالإضافة إلى الإصلاح الزراعي، ووزيراً للزراعة عام 1958 "الإقليم الجنوبي" أثناء تجربة الوحدة مع سوريا، ثم وزيراً مركزياً للزراعة والإصلاح الزراعي حتى أكتوبر تشرين أول عام 1961 "في أعقاب الانفصال"، وعاد وزيراً للزراعة بعد حرب 5 يونيو حزيران 1967، وفي سبتمبر أيلول 1970 وأصبح في نوفمبر 1971 نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الزراعة والري، ووزيراً للزراعة والإصلاح الزراعي
وفي أكتوبر تشرين أول 1957 كان المهندس سيد مرعي يشغل منصب وزير الدولة للإصلاح الزراعي، حين فوجىء في أحد اجتماعات مجلس الأمة المصري بوزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية علي صبري يناوله ورقةً صغيرة موجهة له تقول سطورها: "إن الرئيس جمال عبد الناصر يريد أن تتولى وزارة الزراعة إلى جانب عملك كوزير دولة للإصلاح الزراعي
وبعد الاجتماع جلس سيد مرعي مع علي صبري وأوضح له دوافع اعتذاره عن عدم قبول المنصب، وفي الوقت نفسه يبلغ الرئيس عبد الناصر اعتزازه بهذه الثقة من جانبه
وباقي ما جرى يرويه المهندس سيد مرعي في مذكراته كالتالي:
"في اليوم التالي دعاني الرئيس عبد الناصر للغداء معه، وكان علي صبري قد أبلغه برفضي لوزارة الزراعة، وذهبت إلى بيته في منشية البكري ووجدت هناك المشير عبد الحكيم عامر، ودارت أحاديث عادية على الغداء ولم يفتح الرئيس الموضوع ولم يشر إليه. وبعد أن انتهينا من تناول الغداء جلسنا في الصالون نحن الثلاثة وحدنا، والتفت إليَّ المشير عامر وقال لي فجأة:
- هل يجرؤ إنسان في مصر أن يعترض على قرار يصدره جمال عبد الناصر؟
وفهمت على الفور مقصده وقلت له:
- لا طبعاً.. هي المسألة مش رفض لأمر أو اعتراض على قرار..إنما هي مسألة هل الإنسان يستطيع القيام بالعمل المطلوب منه أو لا يستطيع؟
قال لي عبد الحكيم عامر:
ما توضح كلامك.. إيه المسألة بالضبط؟
فقلت له: في الحقيقة هناك اعتباران جعلاني أعتذر عن وزارة الزراعة.. الأول انشغالي بالإصلاح الزراعي، والثاني وهو الأهم وجود مديرية التحرير
وتدخل الرئيس عبد الناصر في الحديث وقال لي:
- طيب بنشيل مديرية التحرير من وزارة الزراعة.. إذا كانت هي دي المشكلة"
ويختتم سيد مرعي الواقعة السابقة بقوله:
"ولم تعد لي حجة أخرى، فقلت له: وأنا أقبل وزارة الزراعة على هذا الأساس" (سيد مرعي، أوراق سياسية ــ الجزء الثالث، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1977)
أما الدكتور أحمد خليفة فيروي في مذكراته "الرأي والرأي الآخر" كيف أنه في 29 سبتمبر أيلول 1965 كان في منزله يقوم بتنظيف وطلاء حذائه، حين دق جرس الهاتف، حيث أبلغه سكرتير زكريا محيي الدين بأن الأخير يطلب لقاءه في منزله صباح اليوم التالي. وفي الموعد المحدد عرض عليه زكريا محيي الدين منصب نائب الوزير لوزارتي الشؤون الاجتماعية والأوقاف. وبعد تشكيل وزارة صدقي سليمان في سبتمبر أيلول 1977 التي أصبح فيها د. أحمد خليفة وزيراً للأوقاف والشؤون الاجتماعية، سأل د. خليفة الرئيس جمال عبد الناصر عن سبب تكليفه بوزارةٍ يعلم مسبقاً أنه غير مُلِم بأوضاعها، فكان رد عبد الناصر "يمكن علشان تكمل بناء الجامع"، ويقصد الجامع الذي أصبح يحمل الآن اسم عبد الناصر ويضم ملحقه الآن رفات الرئيس الراحل
ويتعين ألا ننسى أن د. ثروت عكاشة أحد أبرز وزراء الثقافة في تاريخ مصر فوجىء بخبر اختياره للمنصب الوزاري عبر أثير الإذاعة
فقد كان د. عكاشة مع زوجته يشغلان مقعدين في أحد الصفوف الأمامية من دار الأوبرا في العاصمة الإيطالية روما في مساء 8 أكتوبر تشرين أول 1958. وبعد أن انتهى العرض الممتع وغادر الأوبرا، أخذ يستمع كالعادة إلى نشرة أخبار الحادية عشرة من إذاعة القاهرة، فأصيب بدهشةٍ بالغة عندما وجد أن الخبر الأول يذيع اسمه كوزير للثقافة ضمن تشكيلٍ وزاري جديد. ويروي الرجل في مذكراته (ثروت عكاشة، مذكراتي في السياسة والثقافة، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1988) أنه عاد إلى مصر فوراً وطلب من الرئيس جمال عبد الناصر إعفاءه من شغل المنصب الوزاري الذي لم يُستشر في أمر إسناده إليه، لكن عبد الناصر أقنعه بالمنصب الوزاري، ليقدم د. عكاشة العديد من الأعمال الثقافية المهمة أثناء فترة توليه هذه الحقيبة الوزارية
أما أطرف وأغرب الاختيارات لمنصب الوزارة فقد جاءت من رفاق السجن والزنزانة
فقد اختار الرئيس أنور السادات رفيق السجن في قضية اغتيال أمين عثمان لمنصب وزير الخارجية. وقد أشار الرئيس المصري الراحل إلى محمد إبراهيم كامل ووسامة هذا السجين الأشقر في مذكراته "البحث عن الذات" (أنور السادات، "البحث عن الذات"، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1978). الطريف أيضاً أن محمد إبراهيم كامل يروي في مذكراته "السلام الضائع في كامب ديفيد" أنه كان في زيارة لوالدته في حي الزمالك في 25 ديسمبر كانون أول 1977 قبل أن يعود إلى منزله في حدود الساعة 5:30، ليفاجأ بزوجته تبلغه بأن الراديو والتليفزيون قد أذاعا نبأ تعيينه وزيراً للخارجية خلفاً للوزير السابق إسماعيل فهمي
وفي استراحة الإسماعيلية عاتب إبراهيم كامل السادات على تعيينه وزيراً للخارجية من دون أخذ رأيه، فرّد عليه السادات قائلاً إنه سمح لنفسه بتعيينه من دون سؤاله لأنه كان في منزلة ابنه (كان السادات يكبر إبراهيم كامل بتسع سنوات) وإنه اختاره لأنه يراه شخصاً يثق فيه تماماً ويتصف بالوطنية والشجاعة. وقال السادات له: لو علمت عدد الذين كانوا يتهافتون على هذا المنصب لما أسفت" (محمد إبراهيم كامل: السلام الضائع في كامب ديفيد، كتاب الأهالي رقم 12، القاهرة، 1987)
غير أن البحث عن وزير في العهد الملكي كان بدوره أشبه بالبحث عن فضيحة
(2): شلة باريس
يحرص الرئيس مبارك على أن يستشير بنفسه الوزراء السابقين فيمن يرونه قادراً على أن يخلفهم في مواقعهم
ولعل أبرز نموذج على ذلك هو اختيار وزير العدل السابق أحمد ممدوح لخلفه المستشار فاروق سيف النصر (1987). وأسلوب الرئيس مبارك يعتمد على السؤال والاستفسار عن عددٍ من الأشخاص من دون التركيزعلى اسمٍ بعينه أو الكشف عن اهتمامه بهذا الشخص، لأنه بطبيعته ميالٌ إلى التحفظ والتكتم
والشاهد أن مبارك يحرص على أن تكون له يدٌ في اختيار أو استبعاد الوزراء، وفقاً لتقييمه لأدائهم وانسجامهم مع الخط الرسمي للدولة
وفي حالة د. محمود أبو زيد وزير الموارد المائية والري الذي خرج من حكومة د. أحمد نظيف في 11 مارس آذار 2009، قيل كلامٌ كثير حول عدم رضاء الرئيس مبارك شخصياً عن أسلوب معالجته لقضايا المياه وحصة مصر في نهر النيل، الأمر الذي أدى في النهاية الأمر إلى خروجه من الوزارة
وترشيحات الوزراء أنفسهم قد تسهم في اختيار من يتولى المنصب الوزاري
فقد جاء د. عبد السلام عبد الغفار بترشيح من د. مصطفى كمال حلمي عندما وقع الانفصال بين وزارة التعليم العالي التي استبقاها د. مصطفى كمال حلمي لنفسه، والتربية والتعليم التي تولاها عبد السلام عبد الغفار (1984). وأسهم كمال حسن علي في ترشيح د. عصمت عبد المجيد ليصبح وزيراً للخارجية (1984) عندما أصبح الأول رئيساً للحكومة
ومن المحافظات أيضاً يخرج الوزراء، حيث إن نجاح المحافظ في أداء مهامه أو بروز اسمه إعلامياً قد يزكيه للعمل الوزاري بشكل تلقائي، وهو ما حدث لأول مرة في حالة محمد صبري زكي محافظ أسوان الذي اختير وزير دولة للصحة (1982)، ثم حدث في حالة يوسف صبري أبو طالب محافظ شمال سيناء الذي اختير وزيراً للدفاع (1982)، وفي حالة سعد الدين مأمون الذي اختير وزير دولة للحكم المحلي (1983) من منصب محافظ القاهرة، وهو ما حدث أيضاً مع د. محمود شريف (1991) بالترتيب نفسه
وقد اختير ناجي شتلة في الوقت نفسه وهو محافظ كفر الشيخ وزيراً للتموين (1993). كما حدث هذا مع أحمد جويلي محافظ الإسماعيلية الذي اختير وزيراً للتموين في أغسطس آب 1994. وفي 27 أغسطس آب 2006 صدر قرارٌ جمهوري بتعيين محمد عبدالسلام المحجوب ابراهيم وزير دولة للتنمية المحلية، وقد كان من أبرز من تولوا منصب محافظ الإسكندرية (1997-2006) واكتسب شعبية ضخمة، حيث بدأ ورشة من إعادة البناء والصيانة لعدد كبير من منشآت ومرافق المدينة العامة، ومنها كورنيش الإسكندرية الشهير. وتكررت مسألة التوزير مع ثلاثة محافظين لأسيوط اختيروا وزراء للداخلية وهم زكي بدر (1986) ومحمد عبد الحليم موسى (1990) وحسن الألفي (1993)
واختير عددٌ من الشخصيات البارزة من خارج ديوان الوزارة نفسها، كما حدث مع د. عبد العزيز كامل عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين الذي تولى وزارة الأوقاف في نهاية عهد جمال عبد الناصر، والذي احتفظ بالمنصب الوزاري في بداية عهد السادات. كذلك الحال مع د. مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة الذي اختير وزيراً للتعليم العالي (قبل أن يصبح وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية)، ومن قبله الشيخ جاد الحق علي جاد الحق الذي عُينَ مفتياً للديار المصرية في أغسطس 1978 ثم اختير وزيراً للأوقاف في 3 يناير كانون ثانٍ 1982، وظل في المنصب شهوراً قليلة، اختير بعدها شيخاً للجامع الأزهر في 17 مارس آذار 1982
وأصبح عادل طاهر وزيراً للسياحة (1982) بعد أن كان رئيس هيئة التنشيط السياحي. وعُينَ محمود محمد محمود وزيراً للاقتصاد في حكومة د. عاطف صدقي الثالثة (1993) وكان رئيساً لبنك مصر الدولي، ود. نوال التطاوي التي انتقلت خلال شهرٍ واحد من رئاسة بنك الاستثمار إلى عضوية مجلس الشعب، ثم إلى عضوية مجلس الوزراء كأول وزيرة للاقتصاد (1996) في تاريخ مصر
وعلى هذا الغرار، اختير المشير محمد حسين طنطاوي للدفاع (1991) وكان أحد القيادات البارزة في وزارة الدفاع، وعمرو موسى (1991) بعد أن كان سفيراً لامعاً ومندوب مصر لدى الأمم المتحدة، وعبد السلام عبد الغفار الذي اختير وزيراً للتربية (1984) وكان من أقدم عمداء كليات التربية، ود. أحمد هيكل الذي اختير وزيراً للثقافة (1985) وكان أستاذاً بالجامعة يشارك في الندوات والحوارات مع الجماعات المتشددة، وهي حوارات كانت محط اهتمام وسائل الإعلام، الأمر الذي زاد من أسهمه ورشحه للوزارة
د. يوسف والي كان أحد الذين وقعوا لحزب الوفد على بيانه التأسيسي في الشهر العقاري، وإذا بالجماهير الوفدية تفاجأ باختياره وزيراً في أول حكومة تمت فيها اختيارات جديدة في عهد الرئيس مبارك، وهي وزارة د. فؤاد محيي الدين الأولى في يناير كانون ثانٍ 1982. أما حلمي الحديدي الذي كان قد وصل إلى عضوية مجلس الشعب نائباً عن حزب العمل الاشتراكي، فقد أصبح وزيراً للصحة في حكومة د. علي لطفي (1985)، قبل أن يترك هذا المنصب عند أول تعديل
ومن رؤساء مجالس الإدارات، وبالذات في قطاع الصناعة، جاء عدة وزراء بينهم المهندس فؤاد أبو زغلة (1982) من شركة الحديد والصلب، ومحمد عبد الوهاب من شركة النصر للسيارات (1984)، وسليمان رضا (1996) من مجمع الألومنيوم في نجع حمادي، وتولوا وزارة الصناعة. وفي السياحة جاء فؤاد سلطان (1985) من رئاسة بنك مصر إيران، وفي الإسكان جاء صلاح حسب الله (1993) من رئاسة مجلس إدارة شركة المقاولون العرب. وفي الاقتصاد جاءت د. نوال التطاوي (1996) من رئاسة بنك الاستثمار العربي، وجاء محمود محمد محمود من رئاسة بنك مصر الدولي
وعلى بساط الحزب الوطني جاء وزراء إلى الحكومة، فقد اختير د. علي لطفي للوزارة وكان رئيساً للجنة الاقتصادية في الحزب الوطني، وجاء د. إسماعيل سلام من رئاسة اللجنة الصحية إلى مقعد وزير الصحة (1996)، وبالمثل جاء د. حلمي الحديدي من منصب الأمين العام المساعد للحزب إلى المقعد نفسه (1985)، وجاء د. محمود شريف من منصب الأمين السابق للشباب ليصبح وزيراً للإدارة المحلية (1991)
وفي حالة د. ممدوح البلتاجي ود. محيي الدين الغريب جاء الاختيار من الرجال الثواني في وزارة أخرى. فقد كان الأول رئيساً لهيئة الاستعلامات والرجل الثاني في وزارة الإعلام، لكنه اختير وزيراً للسياحة قبل أن يصبح وزيراً للإعلام (يوليو تموز 2004- 15 فبراير شباط 2005) لينتقل بعد ذلك وزير الشباب أنس الفقي ليحل في وزارة الإعلام محل د. البلتاجي الذي ذهب بدوره ليكون وزيراً للشباب. أما د. الغريب، فقد كان رئيس هيئة الاستثمار لمدة عشر سنوات (86 ـ 1996) والرجل الثاني في وزارة الاقتصاد ثم أصبح وزيراً للمالية لمدة ثلاث سنوات. غير أن الغريب تحول في 28 فبراير شباط 2002 من وزير إلى مسجون لمدة 25 شهراً، وبين يوم وليلة تحول من وزير تفتح له كل الأبواب إلى مسجون أغلق عليه باب الزنزانة، بموجب قضية الجمارك الكبرى
ومن نواب رؤساء الجامعات البارزين جاء د. أحمد هيكل للثقافة (1985)، ود. أحمد فتحي سرور للتربية (1986)، وأحمد سلامة للحكم المحلي (1986)، ود. محمود حمدي زقزوق للأوقاف (1996)، ومحمد ناجي شتلة للتموين (1983). أما من رؤساء الجامعات فجاء د. عادل عز رئيس أكاديمية السادات لوزارة البحث العلمي (1986)، ود. مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة لوزارة التعليم العالي (1997)
ومن رجال رؤساء الوزارات أنفسهم جاء عادل عبد الباقي وزيراً لشؤون مجلس الوزراء (1982) في وزارة د. فؤاد محيي الدين، ود. عاطف عبيد وزيراً لشؤون مجلس الوزراء والدولة للتنمية الإدارية (1984) في وزارة كمال حسن علي، وجلال أبو الدهب وزيرأً للتموين والتجارة الداخلية (1986) في وزارة د. عاطف صدقي، ومعه د. محمد الرزاز وزيراً للمالية ود. يسري مصطفى وزيراً للاقتصاد والتجارة الخارجية ود. أحمد فتحي سرور وزيراً للتربية والتعليم ود. أحمد سلامة وزيراً للحكم المحلي (1986)، وبالطبع وزير شؤون مجلس الوزراء طلعت حماد الرجل القوي في وزارة د. الجنزوري، وظافر البشري وزير الدولة للتخطيط في حكومة د. الجنزوري
وقد لا يعرف كثيرون أن أول وزير لقطاع الأعمال العام لم يكن هو د. عاطف عبيد، وإنما كان د. عاطف صدقي نفسه، وهكذا فإن د. عاطف عبيد ورث د. عاطف صدقي على مرحلتين، في البداية ورثه في منصبه الأحدث عام 1993 في وزارة د. عاطف صدقي نفسها كوزير لقطاع الأعمال العام وتنازل يومها عن إحدى الحقائب الثلاث التي كان يتولاها وهي حقيبة شؤون مجلس الوزراء، فيما احتفظ مع القطاع العام بحقيبتين أخريين هما التنمية الإدارية والدولة لشؤون البيئة. وفي 1997 في أثناء وزارة د. الجنزوري تنازل د. عاطف عبيد ربما بغير إرادته عن وزارتين أخريين من الثلاث التي كان يتولاها منذ 1984، وهكذا أصبح د.عبيد في 1997 يتولى وزارة التخطيط بدلاً من الوزارات الثلاث التي جمع بينها في 1984
لم يكن عاطف عبيد أول أستاذ إدارة أعمال يصل إلى منصب الوزارة، كان هناك قبله زميل له في القسم نفسه أكبر منه سناً وهو د. علي عبد المجيد عبده، الذي كان قد وصل إلى منصب وكيل كلية التجارة في جامعة القاهرة، وكان في شبابه ينتمي إلى الإخوان المسلمين. ود. علي عبد المجيد هو صاحب الفضل في اختيار زوجة د. عبيد، وهي د. نجدة محمد خميس، ابنة الوكيل السابق لجماعة الإخوان المسلمين
وقدم البرلمان والحزب الوطني رافداً آخر للوزارة
ويأتي كمال الشاذلي كنموذج بارز لهذا النوع من الاختيار، فقد كان يُوصف بأنه "الغول" و"المايسترو" تحت قبة البرلمان، إذ كان يخشاه الجميع ويحسبون له ألف حساب. غير أن كمال الشاذلي بدأ يفقد أنيابه في أعقاب تعيينه في حكومة د. عاطف صدقي الثالثة (1993) وزير دولة لشؤون مجلسي الشعب والشورى. وقبله ظهر توفيق عبد إسماعيل الذي اختير وزيراً للسياحة والطيران (1982) ولشؤون مجلسي الشعب والشورى.. لكنه دخل السجن مساء يوم ١٧ يوليو تموز ١٩٩٩ في قضية نواب القروض، وكانت ليلة عيد زواجه. قضى توفيق عبده إسماعيل الليلة الأولى داخل تخشيبة الخليفة، وهو يقول إنه "لن ينسى هذا اليوم الذي نامت فيه الصراصير إلى جواره"، قبل أن تمر ٨ سنوات ويعود إلى منزله في حي الزمالك (جريدة "المصري اليوم"، الثلاثاء ٨ مايو ٢٠٠٧)
كذلك يبرز اسم د. مصطفى السعيد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية (1982) في وزارة د. فؤاد محيي الدين الثانية. ويأتي أيضاً السيد علي السيد (1985) ووليم نجيب سيفين (1985) في وزارة د. علي لطفي. وجاء أمين الحزب الوطني في الإسكندرية د. زكي أبو عامر (1993) وزيراً لشؤون مجلسي الشعب والشورى ثم التنمية الإدارية
وبرزت قيادات عمالية لتدخل الوزارة، مثل سعد محمد أحمد وعاصم عبد الحق (1986) وأحمد العماوي (1993). وقدمت القوات المسلحة عدة وزراء بينهم وزراء مجلس قيادة الثورة، واللواء حسين صدقي الذي اختير وزيراً للإسكان في حكومة كمال حسن علي
وقد يتم اختيار الشخص لمنصبٍ وزاري لأسبابٍ تبدو غامضة، على الأقل في ظاهرها
اللواء حسن أبو باشا فوجىء بضمه إلى وزارة د. فؤاد محيي الدين التي تشكلت في أول يناير 1982، وقد أبلغه بالخبر اللواء نبوي إسماعيل الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية. فلما سأل أبو باشا عن أسباب اختياره وزيراً للداخلية، قيل له إن ذلك يعود لاعتباراتٍ داخلية عدة تحتم هذا الاختيار
وللصداقة دورٌ في التوزير
واستفاد د. عاطف صدقي من شلة باريس، وبينهم د. أحمد فتحي سرور (التربية) ود. محمد الرزاز (المالية) وفاروق حسني (الثقافة). فأما د. سرور فقد فشل في موقعه كوزير للتربية في الفترة من 11 نوفمبر تشرين ثانٍ 1986 إلى 12 ديسمبر كانون ثانٍ 1990، وقيل أيامها إنه صاحب بدعة الدفعة المزدوجة التي ضاعفت من قوة الدروس الخصوصية وأباطرتها في مصر
أما د. الرزاز فقد كان صديقاً مقرباً من د. صدقي حتى قبل الوزارة، وكثيراً ما كانا يقضيان أوقات فراغهما في لعب الطاولة (النرد). والطريف أن د. الرزاز كان أول من استدعاه د. صدقي عندما علم بنبأ تكليفه بتأليف الحكومة في مطلع يناير كانون ثانٍ 1986، وجلس معه نحو نصف ساعة في مجلس الوزراء قبل أن يتوافد عدد من الوزراء الذين اشتموا رائحة التغيير الوزاري ورأوا أنه من الضروري أن يذهبوا إلى د. صدقي لمعرفة الخبر اليقين
ويبقى اسم د. الرزاز في ذاكرة المصريين مرتبطاً بالضرائب والجمارك والدمغات التي أرهقتهم إلى حدٍ كبير، علماً بأنه صاحب أطول فترة قضاها وزير مالية في المنصب ، إذ شغل هذا الموقع 10 سنوات كاملة منذ حكومة د. عاطف صدقي في 1986 وحتى 1996
والأمر كما يرى الجميع في حال الوزير "الفنان" فاروق حسني، الذي ارتبط عهده كوزير - بدءاً من 1987- بحريق قصر ثقافة بني سويف (2005) وحريق المسرح القومي (2008)، وقضايا الآثار الكبرى وتهريب الآثار للخارج، وسرقة المتحف الإسلامي والمتحف المصري ودار الكتب
على أن د. صدقي عاد بعد سنواتٍ طويلة ليتبرأ من اختياراته، إذ أكد -ربما نتيجة خلافاته مع وزير الثقافة- أنه لم يكن صاحب اختيار فاروق حسني لهذا المنصب بشكلٍ مباشر، وقال إنه كان قد وضع اسم فاروق حسني في الترتيب الرابع أو حتى الخامس بعد أسماء أخرى رشحها قبل أن يحسم الرئيس مبارك الأمر ويختار فاروق لهذا المنصب من بين البدائل المطروحة أمامه
وكان د. عاطف صدقي مولعاً بالاستفادة من قدامى البيروقراطيين، وهكذا استفاد من أحمد رضوان كوزير لشؤون مجلس الوزراء ومحمد فؤاد اسكندر كوزير دولة لشؤون الهجرة (1987) وموريس مكرم (1987) وزير دولة للتعاون الدولي. ولقد اختار د. صدقي لمنصب وزير الصحة د. علي عبد الفتاح المخزنجي (1993) عميد طب عين شمس السابق، وتربطهما معاً صلة نسب ومصاهرة. كما جاء أساتذة جامعة متقاعدون أو على وشك التقاعد إلى الوزارة، مثل د. فينيس كامل جودة وزيرة دولة للبحث العلمي (1993)، ود. ماهر مهران وزير دولة لشؤون السكان والأسرة (1993)
الشللية والصداقات التي تقود إلى مقعد الوزارة، لم تكن وليدة الأمس القريب.. وإنما البعيد أيضاً
من حقك أن تتساءل عن اختيار الوزراء: كيف ومن ولماذا؟
هذه التساؤلات تفرضها المفاجآت التي تصيب كثيرين كلما جرى الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة أو تعديل وزاري ما، لأنه في كلتا الحالتين تبرز على السطح أسماء جديدة قد تكون مجهولة بالنسبة إلى الجميع - حتى من يفترض أنهم يتابعون عن كثب التطورات المختلفة- أو قد تكون تلك الأسماء مثار جدل أو محل تحفظ لسببٍ أو لآخر
ولأن من حقنا أن نعرف إجابة شافية عن مثل هذه التساؤلات، فإن مصدرنا الوحيد في الإجابة حتى الآن، في ظل تراجع دور المواطن المصري في عملية صنع القرار -أو ضعف دوره لكي لا يغضب أحد- هو استقراء التاريخ ومراجعة الأحداث
وعملية البحث عن وزير تخضع لمجموعة من الاعتبارات سواء أكانت شخصية -هل نقول الاستلطاف؟- أو أمنية -التحقق من شخصية المرشح للوزارة من خلال الأجهزة الأمنية المعنية- أو سياسية أو اقتصادية - النشاط الواضح للمرشح، أو إمكان الاستفادة من خبراته في هذا الموقع للحاجة إلى مثل هذه الخبرات- وما إلى ذلك
ولكي نوضح ما نعنيه يمكن أن نشير إلى وقائع ربما تكون مفيدة في الكشف عن كيفية اختيار الوزراء في مصر
ولنبدأ من خط النهاية
ففي أحدث تعديل وزاري، ارتفعت أسهم هندسة القاهرة والمجلس القومي للطفولة والأمومة
وخروجاً على التقاليد التي جرت عند اختيار وزير الري طوال السنوات الماضية، جاء د. أحمد نظيف في 11 مارس آذار 2009 بوزير من خارج الوزارة، وهو د. محمد نصر الدين علام ابن هندسة القاهرة وأستاذ هندسة شبكات الري.. حيث اعتاد العاملون في الوزارة وقياداتها على تعيين وزير من داخل الوزارة وهو ما حدث مع د. عصام راضي ود. عبد الهادي راضي وأخيراً د. محمود أبو زيد
ونصر الدين أستاذ بهندسة القاهرة، التي تخرج فيها نظيف، وتردد أنهما ابنا دفعة واحدة. ومجموعة هندسة القاهرة باتت تشكل أبرز لوبي داخل الحكومة، حيث تضم د. نظيف ود. طارق كامل وزير الاتصالات ود. أحمد درويش وزير التنمية الإدارية ود. هاني هلال وزير التعليم العالي.. وبانضمام الوزير د. محمد نصر الدين علام وصل عدد أعضاء هذا اللوبي إلى 5 بينهم رئيس الوزراء
ويرجع اختيار د. نظيف للوزير الجديد إلى أنه من مجموعة هندسة القاهرة التي يرعاها، إلى جانب أنه متخصص في شبكات الري، وهو ما يناسب المشروع الجديد الذي يسعى رئيس الوزراء إلى تنفيذه وذلك بتحويل الري في أراضي الدلتا إلى الري بالتنقيط، بهدف إضافة 3 ملايين فدان إلى الرقعة الزراعية
ومن المجلس القومي للطفولة والأمومة الذي كانت تشغل منصب أمينه العام، جاءت مشيرة خطاب لتصبح وزيرة للأسرة والسكان في التغيير الوزاري المحدود الذي أتى بوزير الري د. محمد نصر الدين علام
مشيرة خطاب التي يرى البعض أنها تستمد قوتها من قربها من قرينة الرئيس المصري سوزان مبارك، لها حكاية مع الوزارة تعود إلى بضع سنوات. فقد كانت مرشحة لتولي وزارة الدولة للشؤون الخارجية في حكومة د. نظيف الأولى التي تشكلت في يوليو تموز 2004، غير أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط طلب بضم اختصاصات وزارة الشؤون الخارجية إلى وزارته، الأمر الذي أدى الى اتخاذ قرار إلغاء الوزارة برمتها. كما بذلت مشيرة خطاب جهوداً مكثفة بهدف ضم شقيقتها د. مديحة خطاب إلى الوزارة وذلك في التعديل الذي أجراه د. نظيف وجاء بحاتم الجبلي وزير الصحة في ديسمبر كانون أول 2005. وقتها استقبل د. نظيف ما يقرب من 8 شخصيات مرشحة لتولي المنصب وكان بينهم د. مديحة، إلا أن الأمر استقر في النهاية على د. الجبلي
ومنذ ذلك الحين بدأت مشيرة في التخطيط للوصول إلى كرسي الوزارة.. وكان كل هدفها هو تحقيق الحلم الذي كان وشيكاً معها ومع شقيقتها مديحة. ونجحت مشيرة في الوصول إلى كرسي الوزارة حتى لو كانت وزارة دولة ووزارة "فك وتركيب"
وقبل ذلك، هبت على الحكومة رياح رجال الأعمال
فعلى سبيل المثال، فإن حكومة د. نظيف الثانية ضمت كلاً من وزير السياحة زهير جرانة الذي يمتلك وأسرته شركة سياحة كبرى ومجموعة من الفنادق، ووزير النقل محمد لطفي منصور وهو وكيل عدة شركات أبرزها "جنرال موتورز" في مصر، ووزير الصحة حاتم الجبلي الذي يمتلك أكبر المستشفيات الاستثمارية في مصر "دار الفؤاد"، ووزير الزراعة أمين أباظة الذي يعد من أبرز مصدري القطن المصري، وظل رئيساً لاتحاد مصدري القطن حتى عام 2005
وفضلاً عن كونهم من رجال الأعمال البارزين، فإنهم أبناء أسر مصرية معروفة، كما أن بعضاً منهم أبناء لوزراء سابقين، فمثلاً وزير السياحة زهير جرانة، هو حفيد زهير جرانة باشا الوزير سابقاً في عهد الملك فاروق، ووزير الصحة حاتم الجبلي، هو ابن وزير الزراعة الأسبق مصطفى الجبلي، وأمين أباظة وزير الزراعة، هو سليل "الأسرة الأباظية" الشهيرة التي قدمت شخصيات مرموقة في السياسة والفن والأدب وهكذا ضمت حكومة د. نظيف الثانية أبناء ثماني عائلات عريقة، تأتي في مقدمتها عائلات أباظة ومحيي الدين (د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار) وغالي (د. يوسف بطرس غالي وزير المالية)
وانضم هؤلاء إلى وزيري الصناعة والتجارة (رشيد محمد رشيد) والإسكان (أحمد المغربي) والذي كان مسؤولاً عن حقيبة السياحة في التشكيل السابق. إذ شغل رشيد قبل دخوله الوزارة منصب المدير المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا وشمال إفريقيا في شركة يونيليفر العالمية التي تعمل في مجال الصناعات الغذائية والمنظفات
أما المغربي، الرئيس السابق لاتحاد الغرف السياحية، فقد وقع اختيار د. نظيف عليه لشغل منصب وزير السياحة في حكومته الأولى بعد تردد بسبب جنسيته المزدوجة، حيث يحمل الجنسيتين السعودية والمصرية. وفي حكومة د. نظيف الثانية اختير المغربي وزيراً للإسكان
وفي ظل تشابك المصالح وشبكة المصاهرة والقرابة، تبدو الصورة أكثر تعقيداً من مجرد الحديث عن رجال أعمال في مواقع السلطة
نتوقف هنا قليلاً لنشير إلى زواج ابنة رشيد محمد رشيد في عام 2006 من أمين، نجل رجل الأعمال السعودي البارز عاكف المغربي، وهو بالمناسبة شقيق المهندس أحمد المغربي. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن المغربي هو ابن خالة محمد لطفي منصور وزير النقل، وأن الأمر لا يقتصر على صلة القرابة، وإنما تجاوزه ليصل إلى الشراكة في الكيان الضخم "المنصور والمغربي"، الذي يجمع سلسلة شركات في مجالات كثيرة
وهكذا تصبح السلطة شركة عائلية بامتياز
ويمكن القول إن اختيار الوزراء في مصر يخضع لعوامل مختلفة ويأتي من مصادر متباينة، فقد اختير وزراء من الرجال الثواني في وزاراتهم، مثلما حدث مع د. طارق كامل وزير الاتصالات والمعلومات في حكومة نظيف. إذ كان د. كامل الأقرب للدكتور نظيف - قبل توليه رئاسة الوزارة- بين مستشاريه، وهو رجل المهام الصعبة، ودائماً ما كان يكلفه د. نظيف حينما كان وزيراً للاتصالات والمعلومات للمشاركة في المؤتمرات والمحافل الدولية نيابة عنه
د. كمال الجنزوري كان مديراً لمعهد التخطيط القومي قبل أن يصبح وزيراً للتخطيط في حكومة فؤاد محيي الدين الأولى. وصفوت الشريف كان رئيساً لاتحاد الإذاعة والتليفزيون قبل أن يصبح وزيراً للإعلام من ١٩٨٣ وحتى ٢٠٠٤، وحسن أبو باشا كان الرجل الأبرز في وزارة الداخلية بعد الوزير الشهير النبوي إسماعيل، فأصبح وزيراً للداخلية
بعد ثلاثة أشهر تكرر الأسلوب نفسه، فاختير الشيخ إبراهيم الدسوقي أقدم وكلاء وزارة الأوقاف ليصبح وزيراً للأوقاف. وفي يوليو تموز 1984 اختير رئيس هيئة البترول عبد الهادي قنديل ليكون وزيراً للبترول، واختير أحمد رشدي للداخلية
كذلك في مارس آذار 1985 أصبح د. سلطان أبو علي - نائب رئيس هيئة الاستثمار والشخص الثاني بروتوكولياً في وزارة الاقتصاد- لحقيبة الاقتصاد، وهو الوزير الذي نال فيما بعد جائزة "الملعقة الخشبية" الدولية التي تمنح لأسوأ وزير اقتصاد في العالم!
وفي سبتمبر أيلول 1985 أصبح منصور حسين نائب وزير التربية والتعليم وزيراً للتربية، وفي 20 مايو أيار 1991 جاء حمدي البنبي وزيراً للبترول، وكان قد تولى قبل الوزارة رئاسة الهيئة المصرية العامة للبترول لمدة ثلاث سنوات. وبشكل عام، فإن عدداً من وزراء البترول في مصر كانوا من أبرز رجالات الوزارة قبل أن تُسنَد إليهم حقيبة البترول. ومن هؤلاء المهندس علي والي، الذي شغل منصب أول رئيس لمجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للبترول في عام 1968، قبل أن يتم تعيينه وزير دولة لشؤون البترول والثروة المعدنية في مايو أيار 1971
المهندس أحمد عز الدين هلال، شغل منصب رئيس المؤسسة العامة للبترول للتكرير (هيئة البترول حالياً) في 4 أكتوبر تشرين أول 1971، قبل أن يتولى أول وزارة مستقلة للبترول في مصر في أواخر مارس آذار 1973 أما الكيميائي عبد الهادي قنديل، فقد تم تعيينه رئيساً لهيئة البترول في أكتوبر تشرين أول 1980 واستمر في الاحتفاظ برئاسته للهيئة بعد أن عين وزيراً للبترول في عام 1984 وحتى مايو أيار 1991
وفي يناير كانون ثانٍ 1996 اختير ظافر البشري - نائب د. الجنزوري- ليصبح وزير الدولة للتخطيط قبل الأخير. وفي نوفمبر تشرين ثانٍ 1997 كان حبيب العادلي تطبيقاً آخر لقاعدة الرجل الثاني، إذ اختير وزيراً للداخلية بعد استبعاد الوزير حسن الألفي. الأمر نفسه تكرر مع د. مختار خطاب الذي اختير ضمن حكومة د. عاطف عبيد في أكتوبر تشرين أول 1999
غير أن كبار التكنوقراط في الوزارات كان لهم نصيبٌ أيضاً في تذوق طعم المنصب الوزاري
وهؤلاء لم يشغلوا موقع الرجل الثاني في الوزارة على وجه التحديد، لكن قطار المنصب الوزاري توقف عند محطتهم. ومن الأسماء التي تضمها تلك القائمة وأوردها د. محمد الجوادي في عدد من كتبه وأبرزها "البنيان الوزاري في مصر (1878-2000)" نجد وزيري الأشغال د. محمود أبوزيد ود. عبد الهادي راضي، ووزير الصحة د. محمد راغب دويدار، والأخير كان يشغل منصب رئيس هيئة التأمين الصحي قبل توليه الوزارة
أما د. عبد الهادي راضي، الذي عمل مديراً فنياً لمكاتب ثلاثة من وزراء الأشغال السابقين هم عبد العظيم أبو العطا وعبد الهادي سماحة وعصام راضي، فقد أبلغته رئاسة الجمهورية بضرورة عدم مغادرة البلاد لمدة خمسة أيام. وأثناء تشكيل د. الجنزوري للحكومة في مطلع يناير كانون ثانٍ 1996 قال للوزير د. راضي: أنت الوحيد الذي لم نختر له بديلاً، بل لم نفكر في بديل لك لثقتنا فيك
وبعد وفاة د. عبد الهادي راضي إثر معاناة طويلة مع المرض، اختير د. محمود أبو زيد ليخلفه في المنصب. ود. أبو زيد واحد من أبرز العلماء على المستوى الدولي في مجال بحوث المياه والسياسات المائية، وكان يشغل قبل دخوله الوزارة منصب رئيس المركز القومي للبحوث المائية، واختاره د. كمال الجنزوري للمنصب في 8 يوليو تموز 1997. وكان من مقومات اختياره دراسة أعدها حول مشروع توشكى الذي تبناه الجنزوري
عنصر المفاجأة هو السمة الأساسية في اختيار الرئيس المصري حسني مبارك لرؤساء الحكومات، وهو ما حدث مثلاً مع د. علي لطفي (1985)، وتجسد في اختيار د. عاطف صدقي (1986) إذ ظل اسمه سراً لا يعلمه أحد حتى لحظة الإعلان عنه رسمياً، وبقي بعيداً حينئذ عن دائرة التوقعات، ثم تكرر الأمر مع د. كمال الجنزوري (1996)، وأخيراً د.عاطف عبيد (1999) أو "البيه عاطف الصغير" كما كان يصوره كاريكاتير كفر الهنادوة في جريدة "أخبار اليوم"، على اعتبار أن د. صدقي هو "البيه عاطف الكبير". وفوجىء كثيرون باختيار وزير الاتصالات والمعلومات د. أحمد نظيف (2004) رئيساً للحكومة، إذ كانت التوقعات تصب في خانة اختيار وزير اقتصادي قبل أن تؤول رئاسة الحكومة إلى رجل تكنولوجيا المعلومات
بعيداً عن المفاجآت، يلجأ مبارك إلى طريقة أخرى لاختيار الوزراء


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق